كنت وما زلت من المؤمنين بأن بعضا من أنظمة الإعلام السعودي يشوبها الكثير من الضبابية، التي في تقديري تفتح للرقيب المجال للتصرف وفق تقديره الشخصي، متجاوزا في ذلك أهمية الالتزام بالنصوص القانونية التي لا تحتمل التفسيرات، بحيث يجد نفسه حرا في التحرك وفق ما تمليه عليه الظروف والمتطلبات الفردية.

إلا أنه ـ ورغم نقدي المستمر لهذه الضبابية التي يجب أن يوضع لها حد قانوني ـ فإني أجد أنه من المستغرب بل من المستهجن من الناحية الموضوعية، أن نقبل بما تضمنته خارطة صادرة حديثا ـ تلخص حال حرية الصحافة في العالم في عام 2014ـ أصدرتها منظمة مراسلون بلا حدود، حيث تضع حرية الصحافة في المملكة في ذات الخانة "الأسوأ عالميا"، مع كل من الصين وإيران والسودان و سورية، فحالة الاستهجان هذه وعدم القبول بهذه الخارطة بموضوعية يأتيان عندما نعتمد في هذا الإطار مبدأ المقارنة بين تصنيف المملكة وتصيف بعض الدول التي تضمنتها الخارطة، التي من المعروف لكل متابع مهتم بالشأن الإعلامي وقضية حرية الصحافة والتعبير أنها لا تتمتع بذات الحرية الممارسة فعليا، فالنقد الصريح والمباشر والموجه لوزراء وجهات حكومية وقوى شعبية عدة وبشكل يومي، لا يمكن أن تجده في صحافة تلك الدول التي شملتها الخارطة، التي ما زالت تعيش حال الصحافة التي كانت تعيشها المملكة قبل 30 عاما.

ناقشت هذا الأمر مع زوجتي الإعلامية ميساء العامودي، التي كان تفسيرها أنه ربما أتى التقييم على أساس البيئة التنظيمية الإعلامية الخاصة بسهولة استخراج التصاريح والتسهيلات التي تقدم للشركات الإعلامية، التي تتميز بها بعض الدول التي تتفوق على المملكة في ذلك التقييم غير المنطقي، إلا أنني أرى ـ وإن كان ذلك تفسيرا مقبولا من الناحية الشكلية ـ أن منظمة خاصة بالمراسلين ليس من تخصصها تصنيف الحرية وفق جانب مرتبط بقضايا إدارية، بل هو تصنيف يرتكز على الأسس المهنية وقضايا أخلاقيات المهنة.

يجب أن أكون واضحا هنا، فأنا لا أقول إن الإعلام السعودي وحرية التعبير فيه قد وصلت لمستوى مقبول، أو إنها بيئة مثالية يمكن فيها للصحفي والكاتب أن يكتب ما يريد دون خوف من بعض القوانين الضبابية، لكنني أؤكد أن هذه الخارطة ـ وإن كانت صادرة عن جهة يفترض بها أن تكون مهنية ـ إلا أنه ومن خلال مقارنة محتواها يتكشف لنا أنها وقعت في خطأ فادح وواضح أفقد هذه الخارطة مصداقيتها وقيمتها العلمية.