يقول لنا سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز، في لقاء مغلق بالأمس، إن الاستقبال التاريخي الذي لقيه سموه بباكستان لم يكن يقصد شخصية قائد مثل حجم سلمان بن عبدالعزيز، بقدر ما كان تمثيلاً لمدى الحب الذي يكنه الشعب الباكستاني لأخيه الشعب السعودي: هو استقبال لكل فرد سعودي وتعبير عن شمول المحبة وتلاقي الانتماء وتبادل المشاعر المدهشة. ما شاهدته في يومين في العاصمة الباكستانية لا يبرهن سوى عن روابط مدهشة بين شعبين يعتقدان أن كلا منهما يمثل للآخر عمقاً استراتيجياً مهما تبدلت الظروف وتغيرت مواقف الساسة والسياسة. نغادر اليوم باكستان، وقد جئتها للمرة الأولى في حياتي وأنا في كامل اليقين أن مكانها الجغرافي وطبيعة تركيبتها الاجتماعية والمذهبية على وجه التحديد كانا قدراً جميلاً في تراتيب خريطة معقدة: ماذا لو كانت باكستان بهذا العدد الهائل من السكان الذي يقترب اليوم من 180 مليون نسمة في امتداد خريطة أخرى أو بلون ثقافي أو ديني مذهبي مختلف؟ وكيف سيكون شكل التحالفات السياسية والاقتصادية لو أن جسد باكستان (الروحي) كان يتجه لبوصلة مختلفة؟
أغادر باكستان اليوم إلى عمق الشرق البعيد، حزيناً، لا للحظات الوداع ولكن لعشرات الصور المدهشة: منها ما هو مؤلم في الوضع الاقتصادي العام لهذا المخزون البشري من ديموجرافية العالم الإسلامي الذي يرزح تحت ضغوط اقتصادية بالغة القسوة، ومنها أيضاً ما هو مبهج جميل لشعب خرجت من بينه مؤمنا أنه العمود الفقري، مثلما هو بوابة الشرق الأخيرة لمستقبل خريطة العالم الإسلامي.
هي قصص عشرات الوجوه وآلاف المناظر التي تحتاج لتسجيل من هذه العاصمة التي ظلت مختبراً لتجربة كل شيء: من الفقر إلى روح العصامية: من مختبر مفتوح نبتت فيه معظم التنظيمات العاصفة إلى المخزن الروحي الذي لا تجد فيه سوى صورتك..