من أهم وأعظم القرارات السامية التي صدرت في السنوات الماضية قرار الموافقة على تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالصيغة المرفقة فيه، والتي نصت المادة الثالثة على حماية النزاهة وتعزيز مبدأ الشفافية ومكافحة الفساد المالي والإداري بشتى صوره ومظاهره وأساليبه، ولها في تحقيق ذلك اختصاصات عديدة منها تشجيع جهود القطاع العام والخاص على تبني خطط وبرامج لحماية النزاهة ومكافحة الفساد ومتابعة تنفيذها، وتقويم نتائجها ومنها الفقرة 12 في المادة الثالثة التي تنص على توفير قنوات اتصال مباشرة مع الجمهور لتلقي بلاغاتهم المتعلقة بتصرفات منطوية على فساد والتحقق من صحتها واتخاذ ما يلزم في شأنها.

وتحدد اللوائح التنفيذية لهذا التنظيم الآلية والضوابط اللازمة لذلك ونصت الفقرة 13 من المادة الثالثة على العمل مع الجهات المعنية ومؤسسة المجتمع المدني على تنمية الشعور بالمواطنة العامة وبما يحقق حسن إدارتها والمحافظة عليها ونصت الفقرة 16 من نفس المادة على إجراء الدراسات والقياسات المتعلقة بتأثير الفساد على التماسك الاجتماعي والتنمية الاقتصادية وتحليلها ووضع الوسائل اللازمة لمعالجة ذلك.

هذه بعض فقرات المادة الثالثة من نظام تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، أردت ذكرها رغم أنها معلنة في موقع الهيئة إلا أنني وددت أن أنوه بأن مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص والمواطنين مشمولون بالمسؤولية للإبلاغ المباشر عن مظاهر الفساد بأنواعه، وعلى وجه الخصوص الفساد الذي يؤثر على التماسك الاجتماعي والتنمية الاقتصادية.

وهذا يدفعني إلى دعوة المواطنين بتحمل مسؤوليتهم وعدم التستر وراء الخوف من الإبلاغ وآثاره السلبية عليهم رغم أنه لا يوجد أحد فوق الشرع والنظام حتى لو كان في بعض وسائل الفساد مصلحة شخصية على بعض الناس فعليه أن يقدم المصلحة العامة على مصلحته الشخصية.

لقد لاحظت ولاحظ الكثير غيري أن هناك من الوسطاء ممن يتجرؤون على أمانة وثقة بعض المسؤولين وبعض القضاة ورجال الادعاء العام ويتاجرون بأسمائهم الشريفة، ويتصيدون أصحاب القضايا والتهم ويتداخلون موهمين فريستهم بقدرتهم على تغيير بعض القرارات والأحكام الشرعية والتنفيذية مقابل "أتاوات" يدعون بأنها لأصحابها، وهم فاسدون، ويتهمون رجالا مخلصين أمينين في أعمالهم بأنهم على علم وإحاطة بدواخلهم.

ويؤسفني كل الأسف أن بعض القلة النادرة من الممتهنين مهنة المحاماة من ضعاف النفوس دخلاء على المهنة الشريفة التي أقسموا أن يكونوا حماة للدين والأمانة والوطن وأمينين صادقين لموكليهم. وأصبح بعض هؤلاء القلة من الممتهنين لمهنة المحاماة الشريفة سماسرة لعقد صفقات محرمة شرعاً متهمين فيها أناسا شرفاء لا يمكن أن نشك فيهم أو يخيب ظننا فيهم.

وأشهد الله بأنني ومن واقع تجربة في المحاكم وديوان المظالم ومع قضاة حُكم عندَهم لنا وعلينا في بعض القضايا لكنني لم أشتم رائحة فساد وأنا على ما أقول شهيد.

إن من يبيع ويشتري بسمعة القضاة والقضايا هو على قمة الفساد والمفسدين في المجتمع ومثل ذلك سماسرة المعاملات الحكومية الذين يبيعون ويشترون بذمم المخلصين من المسؤولين فيبيع البعض المعلومة وسير الشروحات عليها، وهي تجارة رابحة في المجتمع وعلى وجه الخصوص مجتمع أصحاب الأعمال. لقد مررت بتجربة أو بالأحرى بتجارب شخصية تعرضت فيها إلى سماسرة بعضهم يدعي أنه محام وحاشا لله من المحامين من هذه الفئة. فمحامو المملكة رجال أكفاء نثق في أمانتهم ونزاهتهم. وكنت دائماً أرفض الحوار والمساومة واثقاً كل الثقة بالقضاء ورجاله، وكرامة ونزاهة القضاء. إن هؤلاء السماسرة امتهنوا هذه المهنة لفشلهم الحقيقي في أعمالهم وقدراتهم، وعلينا جميعاً في هذا المجتمع أن نتعاون على عدم التعاون مع هؤلاء الوسطاء وسماسرة الرشوة والفساد وضرورة الإبلاغ عنهم حتى وإن كنا أصحاب مصالح. ولنقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

وأطالب هيئة الفساد بضرورة متابعة هذه الفئة المفسدة للمجتمع. فالفساد نخر أطراف وجذور المجتمع وأصبح بعض أصحاب القضايا من ميسوري الحال فريسة لهؤلاء السماسرة، الذين "انكوى" منهم بعض رجال الأعمال وبعض العامة من الناس، وهم في الحقيقة يبيعون ويشترون بذمم الشرفاء من المسؤولين.