أكد نائب الرئيس للآثار والمتاحف في الهيئة العامة للسياحة والآثار الدكتور علي الغبان، أن المواد الأثرية ونتائج تحليل المواد العضوية التي وجدت بموقع "المقر" المكتشفة في منطقة متوسطة بين محافظة تثليث وعلى بعد 120 كلم عن وادي الدواسر، تدل على أن فترة العصر الحجري الحديث، التي عاش فيها الإنسان في هذا المكان من 9000 سنة، وإليها يعود تاريخ الأدوات الحجرية.

وأوضح الغبان لتأكيد تاريخ الموقع، أخذت 4 عيّنات من المواد العضوية المحروقة من طبقات الموقع الأثرية، وأرسلت إلى أميركا لتحليلها في معامل خاصة بتحليل الكربون 14، حيث جاءت تواريخ العينات في بداية الألف التاسع، وتوجد بالقرب من الموقع، مواقع أخرى أقدم تاريخاً يمكن نسبتها إلى العصر الحجري الوسيط.

وقال إنه عثر بالموقع على تماثيل كبيرة الحجم للخيل، مقترنة بمواد أثرية، ما يعد اكتشافاً أثرياً مهماً على المستوى العالمي، حيث إن آخر الدراسات حول استئناس الخيل تشير إلى حدوث هذا الاستئناس لأول مرة في أواسط آسيا (كازاخستان) منذ 5500 سنة، وأنه يؤكد أيضاً أن استئناس الخيل في قلب الجزيرة العربية قبل هذا التاريخ بزمن طويل.

وأضاف أن طول أحد تماثيل الخيل التي وجدت بالموقع بحجم 100 سم، وتمثل الرقبة والصدر، ولم يعثر من قبل على تماثيل حيوانات بهذا الحجم في أي موقع آخرمن العالم في الفترة نفسها، وما عثر عليه في تركيا والأردن وسورية لا يعدو أن يكون تماثيل صغيرة الحجم، ومن فترة متأخرة عن هذا التاريخ، وليست للخيل.

وأشار الغبان إلى أن تمثال الخيل يحمل ملامح الخيل العربية الأصيلة، ويبدو ذلك واضحاً في طول الرقبة وشكل الرأس، ويوجد على رأس تمثال الخيل السابق الذكر شكل واضح لِلِجَام يلتف على رأس الخيل، مما يشكل دليلاً قاطعاً على استئناس الخيل من قبل سكان هذا الموقع.

ولفت إلى أن تلك التماثيل صنعت من نوع الصخر المتوفر بالموقع، الذي يُرى في أماكن عدّة بالمكان في الوقت الحاضر، ويبدو أن هذه التماثيل كانت مثبتة في بناء يتوسط الموقع على الضفة الجنوبية للنهر قبل مصبّه في الشلال.

وذكر الغبان أنه يوجد بالموقع حصن كبير الحجم مبني من الحجارة فوق تكوين جبلي، يشرف على الموقع من جهة الشرق، وعلى الأراضي المنخفضة التي يصب فيها الشلال من جهة الغرب، وتوجد بداخل هذا الحصن حجرات مربعة ووحدات بنائية متعددة، مشيراً إلى أن بعض الكهوف المجاورة لحصن الموقع استخدمت كمقابر لسكان الموقع في تلك الفترة، حيث عثر في بعضها على هياكل عظمية بشرية مدفونة، وبعضها مغطى بطبقة من الطين والقش، في أسلوب أشبه بالتحنيط، يجعل الهيكل العظمي متماسكاً، ويعد ذلك رقياً كبيراً في أساليب دفن الموتى.

وأبان الغبان أنه بالإضافة إلى الأدوات الحجرية ورؤوس السهام، عثر بالموقع على مساحن لسحق الحبوب، ونجر حجري، وثقالات تستخدم في أنوال النسيج، وبكرات للغزل والنسيج، وجزء من إناء حجر صابوني يحمل زخرفة هندسية بالحز، وأدوات حجرية لمعالجة الجلود، وتؤكد هذه الأدوات وجود معرفة ومهارة حرفية متقدمة جداً لدى سكان هذا الموقع، إضافة إلى العثور على خنجر مصنوع من الحجر له شكل الخنجر العربي الذي يستخدم اليوم في الجزيرة العربية، وتعد هذه القطعة على درجة كبيرة من الأهمية الحضارية، إذ إن لبس الخنجر واستخدامه تقليد عربي عريق لا يزال مستخدماً، ويعد أحد رموز الثقافة العربية.

وأكد أنه عثر بالموقع أيضاً على قطعة من الحجر عليها حزوز صغيرة على أطرافها منفذة في مجموعات أشبه ما تكون بسجل حسابي أو نظام للعد أو التوقيت.

وبالنسبة للرسوم قال الغبان: توجد على الصخور المجاورة للموقع رسوم صخرية من فترة سكنى الموقع، رسمت فيها بالحز صور وعول ونعام وحيوانات أخرى، وأشكال آدمية، كما تعرض إحداها صورة فارس على صهوة جواد، وأخرى لصيد الوعول بالكلاب السلوقية، حيث تحيط خمسة من الكلاب بوعل في شكل دائرة، كما وجدت رسوم صخرية أخرى لخيول وأشكال آدمية على ألواح حجرية بين أنقاض المبنى الرئيس الذي يتوسط الموقع.

وحول مسمى "حضارة المقر" قال الغبان: "أطلقنا عليها الاسم نسبة إلى اسم المكان الذي وجدت فيه"، والموقع يمثل نقطة التقاء هضبة نجد بأطراف المرتفعات الشرقية، ولذلك تنتشر فيها تكوينات جبلية قليلة الارتفاع تتخللها الأودية، كما يخترق الموقع واد كان في الأصل نهراً جارياً ينحدر باتجاه الغرب مشكلاً شلالاً كبيراً يصب في الأراضي المنخفضة الواقعة إلى الغرب من الموقع، ويوجد الموقع على ضفتي هذا النهر.

وعن تاريخ الموقع، قال الغبان إنه بحسب الدراسات، فقد عاش الإنسان في هذا المكان قبل التصحر الأخير، أو خلال فترة التحولات المناخية التي انتهت بانتشار التصحر في المنطقة.

وأضاف: "غير بعيد عن الموقع يوجد المسار الرئيس الذي يربط جنوب غرب الجزيرة العربية بوسطها، الذي أصبح فيما بعد (خلال العصور التاريخية) طريق التجارة الرئيس الرابط بين نجران والفاو".