"قاري ردغوي Gary Ridgway" قاتلٌ متسلسل، اعترف بقتل 48 فتاة بدمٍ بارد، ليس ذلك فقط بل إنه اغتصبهن ثم خنقهن ومثّل بجثثهن قبل دفنها في أماكن متفرقة، بعد سنوات من الملاحقة ألقت شرطة ولاية واشنطن الأميركية القبض عليه، وجرت له محاكمة علنية، حضرها جمع غفير من أهالي المغدورات.

وللضغط على هيئة المحلفين استعان فريق الادعاء بالأهالي الثكالى، الذين تحدثوا بحرقة عن حزنهم الشديد على فقد بناتهم، وصبوا جام غضبهم ولعناتهم على الوحش القاتل، الذي لم ترف له عين، ولم يبد أي تأثرٍ بما يقولون، رغم أن حديثهم اختلط بدمعٍ ودمٍ ساخنين، بيد أن السيد "روبرت رول" والد الفتاة المغدورة "ليندا" فاجأ الجميع بتوجيه حديثه إلى القاتل بأن الجميع هنا يكرهونه؛ لكنه ليس منهم! بل تجاوز ذلك إلى قوله: "أغفر لك ما فعلت" كون الرب أمرنا بأن نغفر للجميع، هنا فقط تأثر القاتل، وسقطت منه دمعة أولى!

نعم.. للمغفرة أثر أعظم من الانتقام، فهي كنصلٍ حاد يقطع شغاف القلب، وهو ما حدث بالفعل مع هذا القاتل المجرم، فالتسامح وبقدر ما يريح قلب المجروح فإنه يعمل على تطهير قلب الجارح، أي تسامح هذا وأي مغفرة يحملها قلب كهذا، ولنا في رسولنا الكريم خير قدوة في التسامح والمغفرة، فهو من وقف خطيباً يوم فتح مكة موجهاً حديثه إلى قومه ممن أضروه كثيراً وقال: "إذهبوا فأنتم الطلقاء"! وكانت خير وسيلة لاعتناق تلكم الجموع الغفيرة للإسلام.

أيها الأصدقاء المغفرة صفة تقع أعلى الهرم، وعليك أن تتعب حتى تلامسها، ولكن ما إن تصل إلى قمتها، حتى تشعر بقيمة كونك إنساناً حقيقياً يتمثل الإنسانية الحقة، وليس مجرد باحثٍ عن انتقام يضر ولا ينفع... صديقي حاول قليلاً من المغفرة وحتماً سترى الفرق.