من أوراق الصحيفة الصاعدة "مكة"، يطلب مني الزميل الصديق الكاتب، عبدالحميد العمري قبول التحدي باختيار أفضل عنوانين للكتابة. ولأنه كاتب مهووس بالأرقام وحمى الاقتصاد، وأنا بالاجتماع وتحليل الخطاب، فقد ذهبت مباشرة إلى عنوانين: الأول، سعودي يشتري لوحة سيارة متميزة من "قلم المرور" بـ650 ألف ريال على الصفحة الأولى، والثاني لأربعيني سعودي يسكن مع عائلته في سيارة من العصر البرونزي في قلب حي المال والأعمال لمدينة سعودية. هما خبران متجاوران يحملان زهوة التناقض فيما وصلنا إليه وما نحن فيه من تراتبية الطبقية الاجتماعية تبعاً لقواعد الاقتصاد.

أين يكمن الخبر ما بين الخبرين؟ قلت لأخي، أبي عبدالإله، إنني أثق في الخبر الأول لأن مزاد اللوحة كان "بالميكرفون" أمام عشرات المتنافسين، وقد لا أثق في الخبر الثاني لأنني أعرف تماماً أن في مجتمعنا من يجرؤ على المتاجرة بوضع أطفاله حد السكنى في سيارة، ولي مع مثل هؤلاء تجربة مدهشة كتبتها قبل سنوات. أعتقد أن وصول مثل هذه النماذج إلى قلب الصفحة الأولى في صحيفة صاعدة، ووحده، ما يستحق التأمل والتحقق في مصداقية الخبر. أكثر ما أخشاه في قصص الصحافة العاطفية أن يقع الصحفي المبتدئ ضحية لخداع مكشوف في تحقيقه الصحافي، ومع هذا كله، دعونا نأخذ الخبرين على محمل الواقع كقصتين صحيحتين. كيف ستكون حياة الطفل الذي بلغ بأبيه الحد أن يشتري لوحة سيارة بهذا المبلغ الخرافي في مقابل حياة طفل سعودي آخر تتحول سيارة أبيه إلى "قصر" سكني في الشارع العام. ماذا لو اكتشف الطفل الأخير، مثلاً، أن لوحة سيارتهم التي تحولت إلى شقة في الشارع العام قد تصلح لمزاد استثنائي خصوصاً وأن السيارة تعود إلى عصر برونزي برقم واحد وحروف متسلسلة؟ ماذا لو اكتشف هذا الطفل أن لوحة معدنية على طرفي سيارة أبيه ستدر هذه المئات من الآلاف.... هو ما كان بالضبط.. وهنا القصة.