رغم التوجيه الملكي الكريم ببناء عشرة آلاف وحدة سكنية لنازحي جازان المكلومين في بيوتهم وممتلكاتهم، ورغم التأكيد على تشكيل لجان عاجلة تتولى تسريع وتسهيل الإجراءات، والحرص على راحة المواطنين المتعرضين للنزوح وتلف الممتلكات، إلا أن وزارة المالية وغيرها من المؤسسات الحكومية المعنية بمعالجة الأزمة "خلّت الدرعا ترعا" بلا تنظيم إداري ولا إرادة حازمة لتوفير أجواء أبعاد الأمر الملكي للحفاظ على كرامة المواطنين، وهانحن جراء تعطيل المصالح وسوء إدارة الأزمات أمام عملية تهجير أخرى يتعرض لها نازحو جازان، إثر مطالبتهم بترك الشقق المؤقتة التي يفترض أن تؤويهم لحين انتهاء الأزمة وتوفير الوحدات السكنية لهم، وهاهم يستقبلون العيد في ظل مطالبات تهجير جديدة وانتفاء المأوى!

"هل أنام أنا وعائلتي في الشارع" نداء معاناة نود من وزير المالية أن تصيخ آذانه لمطلقه، بعثه له عبر جريدة "الوطن" مواطن نازح من قرى الشريط الحدودي لمحافظة الخوبة بجازان علي محمد عياشي 66 عاما، يقول فيه: "أنا موظف متقاعد براتب 1700 ريال شهريا، وأعول أمي وابني المعاق وزوجتي، وأنا في حيرة من أمري بعد أن أشعرنا بالخروج من الشقق المفروشة في نهاية شهر رمضان، فإلى هذه اللحظة لم أحصل على مسكن مستأجر يؤويني أنا وأسرتي، فأين سأذهب؟! "هل أنام أنا وعائلتي في الشارع"؟.

فهل تتكرمين يا وزارة المالية بالإجابة عليه؟! وأين دورك يا وزارة الشؤون الاجتماعية في متابعة أمر النازحين الذين أجبروا على ترك منازلهم وممتلكاتهم، ليعاودوا نزوحا آخر ليلة العيد؟! وأين التخطيط يا وزارة التخطيط لتحسين إدارة الأزمات في النكبات والملمات؟!.

يكمل المواطن وصف معاناته في ظل غلاء إيجار الفنادق والشقق المفروشة، كعادة التاجر عندما يفجر مستغلا الأحداث طمعا، وإن على حساب وطنه، في ظل تواري الرقيب، وغياب ضميره الإنساني والمجتمعي، والخبر منشور على الرابط التالي http://www.alwatan.com.sa/Local/News_Detail.aspx?ArticleID=18938&CategoryID=5

مواطن ومفجوع في فراق داره وتهديم ممتلكاته يطلق عليه نازحٌ رغم أنفه، ولحظٍ لا يد له فيه، في الوقت الذي نرى مسارعة المملكة في الإغاثات التي تمتد لكل فاجعة في الكون، وبمدد إنساني لا يقصد به جزاء ولا شكورا، بينما تسهم جهات تنفيذية في تعثر إدارة هكذا أزمة على أساس مجتمعي بشفافية وأمانة وإنسانية!! وتطول الذكرى للمؤمنين في طريق العبث الإداري والتنظيمي، وتطول قائمة المسؤولين، فتتجاوز المؤسسات للقوانين والقطاع الخاص، ومدى استشعارهم للوعي الحقوقي للإنسان، وواجبات تطبيق النظام، ليبقى السؤال بلا جواب، لماذا يهجر النازحون مرة أخرى؟!

ويزداد الوضع قتامة في ظل غياب التصريح الإعلامي، فالسلطة الرابعة مكتوب عليها أن تضيع بين سؤال لا جواب له، ومسؤول لا وجود لمسؤوليته على واقع الأحداث، كما تبين في نهاية الرابط السابق عدم توفر مسؤول إعلامي مفوض للرد على محرر الخبر.

إن الإيمان الإنساني بحق كل مواطن في الحياة الكريمة وتوفير أساسيات حياته من غذاء ودواء وسكن يسائل حق المواطنة لإنسان ومواطن ونازح، وصائم ومبتلى في مسكنه المهُدّم لأجل أمن الوطن، ماذا يفعل؟ والمسؤولية تطال القطاع الخاص والبنوك، فأين حق المواطنين من أوقاف الورود يا بنك البلاد، أم إن شم الورود محرم على الجميع إلا جمعيات التحفيظ؟ أين وردة النازحين من مشاريعكم الاستثمارية؟!!، ولماذا لا ترغم جميع البنوك الشفاطة لجيب المواطن بمشاريع مجتمعية، وإن من باب رد حقوق المواطنين الذين تزدرد البنوك رواتبهم وودائعهم بنهم لا يكل ولا يمل!.

يتساءل الزميل الفاضل الكاتب في جريدة الجزيرة د. عثمان العامر هل نمتلك شعور "الجسدية" التي هي من صلب ركائز ديننا؟!، وذلك في مقال تناول فيه دراسة علمية عنوانها "المؤشر الأخلاقي" تفيد بدعم المستهلك الأوروبي لمنتجات الشركات المساهمة في مشاريع اجتماعية وترويجه لمنتجاتها، ومن خلال استطلاع للرأي يبين أن غالبية من شملتهم الدراسة أعلنوا استعدادهم لدفع المزيد من المال لشراء المنتجات التي تأخذ المسؤولية الاجتماعية في الاعتبار، معبرين عن ضرورة مساهمة الشركات في تمويل المشاريع التي تساعد الفقراء، مطالبين بأن تكون ذات ضمير اجتماعي ينعكس في الأنشطة الاجتماعية لصالح البسطاء من الناس.

ويتساءل سؤال آخر يحفر في عمق ثقافة الوعي الإنساني: هل لدى المستهلك السعودي شعور "الجسدية" ـ المتوفر بسخاء عند الأوروبي والغربي بصفة عامة ـ إزاء الطبقة المحتاجة، وهل هناك ولو موقف واحد يدل على أننا نحمل هم "الجسدية" في بلادنا؟!

أعتقد أن الجواب يبذل الجهد لإيجاد مداخل ثقافة الوعي بالإنسان إزاء التغييب استشراء لثقافة المصلحة والأثرة، في ظل واقع يعالج العوارض لا جذور المشاكل الثقافية التي زيفت واقعنا وداهنت الحقائق.