إن الرجل العربي تبعاً لظروف البيئة والعادات والتقاليد والأعراف، لديه النخوة والشهامة والغيرة على عرضه وحريمه. وللمرأة شأن يقدره العرب، فعندما ننظر إلى سيدات العرب في التاريخ، فسنتبين علو مكانتها، ورفعة شأنها لدى العربي؛ حتى إن القبيلة تسمى باسمها مثل بني عاتكة، وبني بِسة، وبني ثعلبة إلخ... كما أنهم لا يذكرون المرأة في غيابها بما يسيء إليها على الإطلاق. يقول ووتسينجر: "انهمك الجميع في القيام بأعمال فردية. ثم تطرق الحديث إلى الغزوات في الصحراء ومنها إلى موضوعات أخرى كالسحر والختان والأعراس إلا أنهم لم يتحدثوا أبدا عن الجنس أو عن المرأة". ثم يقول في موضع آخر: "إذا تكلم البدوي عن النساء كان كلامه حيوياً وصريحاً، ولكنه غير بذيء"، فمن المروءة أن يتجنب الرجل العربي الحديث عن المرأة في مجالسه ويعده خرقاً للمروءة، فتجنب الحديث عنها ليس لأنه يحلم بالطعام كما يقال وإنما لرفعة قيمة الشرف الذي تحمله المرأة وعلو مكانتها.
والرجل لا يعتدي على المرأة ولا يهينها، كما يصور ذلك الغرب في أبحاثهم وندواتهم إلا فيما ندر، وذلك لأن هناك شيماً تحتقر من يهين المرأة أو يضربها؛ وخارق أو (خارم) هذه الشيم يسمى "عديم المروءة" وللمروءة سلطانها على أبناء القبائل. ويقول ووتسينجر: "يعتقد الشعب الإنجليزي، خطأ، أن نساء العرب يعشن وكأنهن في سجون، وذلك غير صحيح. فمن المستحيل أن يسجن رجل امرأته وهما يعيشان في ظل شجرة أو داخل خيمة مفتوحة على الدوام من أحد جوانبها. كما أن الرجل البدوي يطلب من امرأته أن تعاونه فتحتطب وتحضر الماء من البئر وترعى الماعز بل إن البدوية إذا رأت من زوجها أي إهمال تركته إلى أهلها ويضطر إلى استرضائها كي تعود معه. ثم يقول: "والمرأة كانت في بعض حواضر الخليج تشتغل بالبيع.. وتقابل الضيوف إذا ما كان زوجها غائباً وتعمل في الحقول جنبا إلى جنب مع الرجل، وكان الرجال يحفظون لها كرامتها ورفعتها، فلا ينظر إليها رجل بنظرة دنيئة. فالبدوية تشارك الرجل في كل شيء حتى في الغزوْ، وتجد البدوي يصحب نساءه في الأسواق.. حتى أسواق الحاضرة.. فتراه يتأبطهن في الحاضرة، كما يفعل الغربيون.. ويشترك البدوي والبدوية في الشراء والبيع والمشي، دون أن يكون عنده أدنى اكتراث".
ومن عادات العرب في حروبهم أن ينتقوا أجمل فتاة لديهم وأعرقهن نسباً، تحمل في هودج على ناقة بيضاء، يصطحبونها معهم إلى الحرب، ويسمي العرب ذلك الهودج الذي يحمل أجمل عذراء عندهم بـ(العُطفة). ترافقهم في حروبهم الكبرى، تحرضهم على القتال، تستفز هممهم و تستثير نخوتهم، تمتدح الشجعان وتقرع المتخاذلين وتهرأ بالمتراجعين. وتقول لينا الهويان في كتابها سلطانات الرمل: إنه في الحروب الدامية كثيرا ما يتحول مكان هودجها إلى مذبح تموت حوله الرجال، لأنه في حال انكسار قومها تُسبي فتاة (العطفة). وإذا ما خسرت القبيلة عطفتها لن يحق لها حمل العطفة مجدداً إلا في حال غنمت عطفة قبيلة أخرى وسجلت انتصاراً فائقاً.
ومن سلطانات الرمل (منوى) تلك العذراء الجميلة التي ركبت هودجها وصاحبت قومها في إحدى الحروب الدامية، وكانت تصول وتجول وتنشد أشعارها، وتلهب حماس أبطالها، وقد كانت تحمل في يدها غمرة حمراء كان العرب يوسمون بها الماشية، وكانت تنثر هذه الغمرة على المتخاذلين والمتراجعين! فلم يستطع هؤلاء الموسومون بهذه الغمرة الملونة إلا مغادرة القبيلة غير محتملين الخزي والعار الذي لونتهم به (منوى).
قد يخطئ البعض في قولهم إن المرأة العربية كانت سقط متاع، وإنها كانت توأد خشية العار. ففي كتاب الرحيق المختوم لكاتبه صفي الرحمن المباركفوري يقول: كانت المرأة الشريفة بينة وغير الشريفة بينة. فكانت تستشار وكانت ذات قريحة ورأي، ثم يقول كان الرجل حين يريد أن يمتدح فلا يخاطب إلا امرأة. كما أنه يقول إن وأد البنات لم يكن خشية العار كما يقال، وإنما أوعز ذلك إلى الفقر والعوز وكان العرب يبقون على الذكر من أجل الحروب والقوة والعزوة.
من أين جاءت لنا تلك الثقافة ذات النظرة الدونية للمرأة؟ من الذي سرب هذه الثقافة إلى مجتمعاتنا؟ وهي نظرة لم تكن في عاداتنا ولا في تقاليدنا إذا ما سلمنا أن الثقافة هي مخزون العادات والتقاليد؟ كانت المرأة في أوج عزتها وكرامتها وقوتها وشرفها الذي لا يضاهيه شرف، في ذات الوقت الذي كانت فيه المرأة الغربية سليبة مهانة إبان العصور الوسطى في أوروبا! بينما نجد تسلل الفكر والثقافة المضادة لصورة المرأة العربية إلى ثقافتنا بشكل مخيف! وقد أسهم الإعلام بقدر كبير في تشويه صورة المرأة العربية دون وعي لما يتركه ذلك على شخصية المرأة ومكانتها العربية والعالمية. فقد حضرت مؤتمر أقامته منظمة "اليونيفيم" في جامعة الدول العربية بالقاهرة عام 2006، وذلك لمناقشة نتائج أبحاث أقيمت عن صورة المرأة العربية في الإعلام. وقد كانت النتائج موجعة إلى حد كبير. حيث كانت النتائج أن صورتها (شرهة، أكولة، جنسية، ثرثارة، بدينة إلخ..) كثير من الصور التي كان الكتاب والإعلام يطرحونها، دون مراعاة من هؤلاء المبدعين أنه لا بد ألا يتناول النمط إلا حينما يكون ظاهرة، وأبداً لم يتبعوا ذلك كما علمنا علم الدراما، ومن هنا أساؤوا إلى صورة المرأة المعاصرة بشكل عام، وقد بدأت هذه الصورة منذ الستينات من القرن الماضي، حيث صورت المرأة بشكل سيئ، حتى الأنماط المضيئة لم تكن مضيئة بالدرجة الكافية وإنما كانت تحمل بداخلها خواء وسلبية.
نحن نحتاج إلى صحوة في الإعلام والدراما لتبيان صورة المرأة العربية، والصورة المثال والقدوة لبناتنا ولشبابنا، كي تتضح الصورة كما هي بالفعل، وتصحيح عاداتنا وتقاليدنا وإرثنا العربي الذي أسس أصول تقدير واحترام المرأة.