خلال العقود الماضية كنا نسمع ـ كمواطنين عرب ـ أن بعض الرؤساء العرب ترأسوا بفعل "فاعل"، وأن منهم من يقوم بدور "الدوبلير" فيما يمكث الآمر الناهي بعيدا في الخارج.

وفي ظني أن القذافي ـ كمثال ـ كان أوضح نموذج على ذلك، لكنه كان يغطي هذا الوضوح بشيء من الغرائبيات والسخريات في بعض كلامه وسلوكياته، وبشيء من دغدغة الغرائز القومية.

لكن العمالة تبرز في أجلى صورها مع دخولنا إلى زمن المالكي، حيث لم تتردّ الأمور في سراديب الخيانة كما هي عليه مع المالكي، ولم يكن استهداف العرب بالطائفية المقيتة كما هو الآن، ولم يكن الرئيس العربي ـ أي رئيس ـ يدار من الخارج كما هو الحال الآن مع العراق، التي تطبخ قراراتها في قُم وتنفذ في بغداد، ولم تصل إلى حد "التبصيم" كما هو الحال مع المستخدم نوري المالكي، الذي يتلقى التوجيهات من مديره المباشر قاسم سليماني.

كان كل الرؤساء العرب الذين تطالهم شُبه العمالة، يتدرجون في الترقي العسكري من الجيش، ثم يصلون فوق ظهر الدبابة إلى كرسي الرئاسة بلا سابق خلفية أو معرفة عنهم وعن تاريخهم، لكن المالكي جاء مباشرة وخلفه تاريخ واضح ومعروف للجميع في تنفيذ الجرائم خلال انخراطه عضوا فاعلا في حزب الدعوة.

جاء المالكي بولاء وتبعية لا تشوبها شائبة لإيران التي جاءت به رئيسا للوزراء وممثلا لها في العراق المحتل.

ويشير الواقع اللوجستي والسياسي إلى أن العراق هي أسمن وجبة التهمتها إيران في مخططها الرامي إلى تصدير الثورة، وتعزيز روح الطائفية، وتقسيم العرب بواسطة خلاياها المتوزعة في أشتات البلاد العربية، عبر ممثليها في لبنان واليمن والبحرين وبعض الخواصر الغافية والخلايا النائمة، وستكون المساعي العربية لإسقاط المالكي في الانتخابات القادمة ـ لو تمت ـ خطوة مهمة في سبيل استعادة العراق إلى حضنه العربي، ولن يتأتى هذا دون السعي لكسب الموالين للسيد مقتدى الصدر، الذي اعتزل الساحة وبقي مؤيدوه ورقة هامة في هذا الجانب، إضافة إلى ضرورة أن يسعى العرب إلى دعم إياد علاوي، وكسب الأطياف العراقية الشيعية، التي ترتقي عندها النزعة القومية العربية في مواجهة الانحياز الفارسي لدى الحكومة الحالية.

ولا شك أن الهيمنة الإيرانية على كثير من المفاصل العربية، إنما هي نتاج التهتك العربي الذي لا سابق له، وكي يتم ترميم بعض ما تهدم في القرار العربي الموحد، فإن على القمة العربية القادمة أن تضع الهيمنة الإيرانية وسبل مواجهتها على طاولة البحث، واجتراح المشاريع المضادة التي تقلق إيران، ومن ذلك مثلا ملف "الأحواز" من خلال دعم عرب الأحواز والانتصار لقضيتهم وإثارتها في المحافل الدولية، وإعادة تنشيط ملف الجزر الإماراتية المحتلة بشكل لا يقبل المواربة، وفتح ملف انتهاك حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات وكبت الحريات في إيران.

إن مواجهة إيران مهمة قومية عاجلة، لكنها لا تحتاج إلى الصراخ والعويل بقدر ما تحتاج إلى الوضوح والمباشرة في تنشيط هذه الملفات، وتحريكها دبلوماسيا على كافة الأصعدة العالمية والسعي في دعم المعارضة السورية على قدم المساواة مع هذه الملفات وصولا فيما بعد إلى إعادة العراق إلى محيطه العربي.