صراعات وتنظيمات خفية ومعلنة، وجدل هنا وهناك، حول العبث بوطننا العربي، وعالم يموج بإثارة الفتن، وسفك الدماء العربية بحجة الحرية والعدالة الاجتماعية و...إلخ!.

إلا أن ما يهمنا في هذا المقام، هو قارئنا الكريم، وإنارة الوعي الجمعي، إذا ما افترضتا أن المعرفة قاصرة على النخبة المتعالين على تنوير وتثقيف العامة وتبصيرهم قبل ما "تقع الفاس في الرأس" كما يقال!. وذلك لأن العامة هم أرضية الوطن الصلبة الراسخة التي لا تلين، إذا ما أدركت وفهمت وحصلت على حقها في المعرفة.

من الذي ينسى ما دار تحت "رحا" الغدر والخيانة في حرب العراق؟ ومن يجهل ضرام النار المحتدمة في ليبيا والسودان ولبنان واليمن، وفي أجزاء وطننا العربي؟ ومصطلحا دار في مصر طويلا اسمه الطرف الثالث، ونحن نتساءل: ماذا يحدث؟!

ولعل حديث الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، في إحدى حلقاته على قناة الجزيرة عن "البلاك ووتر" (المياه السوداء) عام 2007؛ كان يمثل صدمة لمن يجهل حقيقة ذلك، وكيف أنهم من حارب في العراق حينها!. و"البلاك ووتر" التي كانت تحمل اسم "بلاك وتر يو إس أي" فيما سبق، وهي شركة أميركية خاصة، تقدم الخدمات الأمنية والعسكرية وتخوض الحروب بالنيابة "مرتزقة"، ولديها كل أنواع الأسلحة المتطورة والعتاد والجنود المدربين تدريبا عاليا، وقد أُطّلِق عليها "جيش بوش الخفي" إبان حرب العراق، كما أن جنودها تخضع للحصانة الدبلوماسية!.

وتتجه هذه الشركة بجنودها وعتادها إلى من يدفع الأجر ويتحمل المصاريف وفي الغالب أنها تحصل على مبالغ باهظة.

ويُذكر أن هناك علاقة كبيرة بين "بلاك ووتر" ومنظمة "فرسان مالطا"، وهي كما عرفها الـ"ويكيبيديا": "جماعة تقيم في الفاتيكان روما لها اعتراف إيطالي كدولة، ولها ثمثيل في 96 دولة أخرى منهم 6 دول عربية هي مصر، السودان، لبنان، الأردن، المغرب، موريتانيا. نشاطها الأساسي المعلن يقوم على جمع التبرعات وإنفاقها على مساعدة الدول المضيفة لها ببرامج خدماتية خيرية طبية، إضافة إلى الهدف الأساس ألا وهو حماية الحق المسيحي في الحج إلى القدس، لا تعترف إسرائيل بدولة فرسان مالطة، وليس لها تمثيل دبلوماسي في إسرائيل". كما أن لها تمثيلا في ستة عشر بلدا إسلاميا فتعرف بأنها: "منظمة دولية ودولة في آن واحد. رئيسها الحالي منذ 1988 هو الأمير البريطانى "اندروبيرتى" 60 سنة وهو أول بريطانى يرأس المنظمة منذ عام 1277، كما أنه الرئيس الثامن والسبعون للمنظمة منذ تأسيسها، ويحمل رتبة "كاردينال"، ويستمر حكم رئيس دولة فرسان مالطة "السيد الأكبر" حتى وفاته، ويرأس مجلسا يتألف من ستة وعشرين فارسا يساعدونه على تسيير شؤون المنظمة". وقد عرفت قديما باسم فرسان المعبد أو "الهوسبتاليين".

أما علاقتها بمالطا فيقول الباحث حسين شعبان: "على الرغم من أن كنيستها أرثوذوكسية إلا أنهم كاثوليك، وقسم منهم هاجر إلى الولايات المتحدة، وصادف اندلاع الحرب الأهلية الأميركية وميلاد منظمة "الكوكسلوس كلان الإرهابية"، التي تدافع عن تسيد الرجل الأبيض وتفوقه العنصري على الأسود، ولهذا توثقت العلاقة بينها وبين منظمة فرسان مالطا".

وقد أوعز ـ الباحث حسين شعبان في دراسة منشورة عن "فرسان مالطا" ـ ذلك إلى أنها ضد الإسلام والمسلمين في قوله: "إن ما ذهب إليه "صموئيل هنتنغتون" حين دعا إلى ضرورة شحذ جميع الطاقات بما فيها العسكرية للتصدي للخطر الجديد، أي الإسلام، مثلما قصده "فوكوياما"، معلنا عن أن صداما لا مفر منه بين الحضارات وصراعا محتوما بين الثقافات، خاصة بين الإسلام والحضارة الغربية المسيحية.. فلم تكن لكمة بوش مجرد زلة لسان حينما قال الحرب الصليبية"!.

وعن دورهم في حرب العراق فيقول الكاتب الأيرلندي "سيمون بيلز": "إن هناك صلات وثيقة بين الفرسان والمرتزقة الذين يتبعون لمجموعة شركات برينس المالكة لبلاك ووتر"

ويقول شعبان في دراسته معلقا على منحها حق الثمثيل الدبلوماسي كدولة: "ولا أدري كيف يقبل المجتمع الدولي بمثل هذا الاستثناء المثير وكيف يبرر ذلك؟ فحتى قرار الفاتيكان برد الاعتبار إلى منظمة فرسان مالطا وتكريمها وفتح مقرّها لديه، إلا أن علاقته بها حصرها بالمسائل الاستشفائية ومساعدة المحتاجين، وهو لا يعطيها صفة الدولة بالطبع، والسؤال الأخير: كيف لمنظمة تُعنى بالأمور الإنسانية أن تستخدم شركات مثل بلاك ووتر المعنيّة بالحماية الأمنية، ولديها معدات تقترب من معدات الجيش النظامي، بما فيها طائرات هيلوكبتر ومدرّعات وغير ذلك لتنفيذ عمليات قتالية وهجومية، فما الذي يتبّقى من مهماتها الإنسانية، السلمية والمدنية!"

لم يكن أبناؤنا وشبابنا يقرؤون ويطلعون، ولم تكن النخبة تتلامس مع هذه القواعد الشعبية، ولم يكن التعليم متطورا، يقدم تدريس التاريخ والجغرافيا والشؤون السياسية، ولم تكن الجمعيات والأندية تدير الندوات والمؤتمرات لنشر الوعي والمعرفة بما وصل إليه العالم من نظريات حربية، خاصة ما أسموه الجيل الرابع من الحروب، الذي يعتمد على تطبيق فكر أن تكون القيادة من أسفل إلى أعلى، على خلاف ما عهدناه بأن القيادات تتم من أعلى إلى أسفل!. شبابنا يصدق ويسلِّم رأسه لكل شاردة وواردة، وقد شهدنا ما فعلته "الأناركية" في مصر والوطن العربي، ولي في ذلك مقال سابق بهذا المكان. وها هي منظمة فرسان مالطا تطفو على السطح.

فلقد أردفت صحيفة صدى البلد بأن العميد أيمن فهيم، الضابط السابق بالحرس الجمهوري، قد اتهم سفارة "فرسان مالطا" في مصر، بأنها وراء قتل المتظاهرين وقوات الأمن في جمعة الغضب 28 يناير، مؤكدا أنها على ارتباط وثيق بشركة بلاك ووتر الخاصة بالجنود المرتزقة. وأنهم "كانوا المورد للجنود المرتزقة في العراق". وأن الهدف من هذا كان ضرب الداخلية في المتظاهرين، وأن كلا منهما قتل الآخر". فهل وعى أبناؤنا في الوطن العربي ما يدور في الكواليس من أسرار ومؤامرات؟!