كثيرا ما نسمع عبارة "الرقابة على أداء الأجهزة الحكومية"، خاصة في اجتماعات مجلس الشورى، وهناك من يؤكد أن هذا النوع من الرقابة هي الوظيفة الثانية للمجلس بعد التشريع، والسؤال المطروح هنا: ما الآلية المتبعة لممارسة رقابة الأداء في المجلس؟

حسب تصريحات بعض أعضاء مجلس الشورى في وسائل الإعلام، فإن الآلية المتبعة لرقابة الأداء، تتمثل في التقارير السنوية للأجهزة الحكومية المرفوعة إلى المجلس، وهذه التقارير تمثل الأساس لرقابة الأداء، ولكن ما يعيب هذه التقارير أنها "لا تعد وفق القواعد المقرة في إعداد التقارير وفقا للتعميم السامي رقم (7/ ب/26345) وتاريخ 19/ 12/ 1422، كما أن بعض هذه التقارير لا تتضمن عقود المشروعات وموضوعاتها وتكاليفها وسير العمل فيها، وما تم إنجازه خلال السنة من المشروعات والبرامج المعتمدة في خطة التنمية في المجالات المختلفة، ومقارنته بما ورد في الخطة".

وعلى هذا الأساس، فإن المجلس لا يكتفي بهذه التقارير وحسب، بل تقوم اللجنة المختصة بالمجلس، بإجراء دراسة للتقرير المحال إليها لتحديد أوجه الضعف والقصور في أداء الجهة الحكومية من واقع المعلومات والإحصاءات التي يتضمنها التقرير، ومما يتوافر لدى اللجنة من معلومات في وسائل الإعلام المختلفة، ومن شكاوى المواطنين، وما تتضمنه تقارير الجهات الرقابية، كما يتم طلب حضور المسؤولين ومناقشتهم فيما يكشف عنه من أوجه القصور في الأداء كما ونوعا، كما يحق للجنة طلب بعض المعلومات والإحصاءات والوثائق ذات الصلة لاستكمال بعض الجوانب التي لا يغطيها التقرير.

ولا يكتفي المجلس فقط بمناقشة تقارير الأداء السنوي للجهات الحكومية، بل هناك زيارة للجهة متى ما دعت الحاجة للاطلاع على عمل تلك الجهة، كما أن هناك مقترح يهدف إلى تعديل قواعد إعداد التقارير السنوية للوزارات من خلال إضافة الأهداف الخاصة والعامة للجهاز في التقرير، وإيضاح الرؤية والرسالة والقيم المؤسساتية والأهداف الاستراتيجية كما يشمل التعديل إضافة معلومات أخرى تصف الوضع الراهن للجهة، وبيان المشروعات المتعثرة وأسباب تعثرها، وإضافة بند مستقل خاص بملاحظات ومقترحات الهيئات الرقابية.

ومما سبق، ومن خلال استعراض آليات الرقابة على أداء الجهات الحكومية حسب تصريحات أعضاء مجلس الشورى، وكذلك التعديلات المقترحة لتطوير التقارير السنوية لتلك الجهات، تظل رقابة الأداء في المجلس قاصرة وضعيفة ولا تحقق متطلبات المساءلة والمحاسبة!.

فمجلس الشورى يعترف بجود قصور في التقارير السنوية بسبب نقص بعض البيانات والمعلومات المهمة، فحتى لو اكتملت هذه المعلومات في التقارير، فمن يضمن مصداقيتها والوثوق فيها؟ قد يقول قائل: "هناك ملاحظات الجهات الرقابية، وكذلك زيارة المجلس لهذه الجهات، وطلب المسؤولين للمناقشة.. هذه الأمور مجتمعة قد تحقق المصداقية وإمكانية الوثوق في هذه التقارير".

وأقول: حسب المفهوم الدولي لرقابة الأداء، فإنها تعني قياس الاقتصادية والكفاءة والفعالية للأنشطة والبرامج الحكومية، وهذا القياس يحتاج إلى وجود معايير ومقاييس لمعرفة أداء الأجهزة الحكومية، وعليه ما المعايير التي سوف يستند عليها المجلس في قياس أداء هذه الجهات؟ وبمعنى آخر كيف يستطيع المجلس معرفة استخدام الموارد البشرية والمالية بكفاءة في تحقيق أهداف كل جهة حكومية من غير إسراف أو تبذير للمال العام؟.. هذا من جانب.

ومن جانب آخر، وكما رأينا آنفا، فإن المرتكز الرئيس لرقابة المجلس، التقارير السنوية وهذه التقارير يفترض أنها تتضمن البرامج والمشاريع الخاصة بكل جهة، وعليه هل يستطيع المجلس قياس أداء هذه الأنشطة في يوم وليلة بل حتى في شهر واحد؟ ناهيك عن أن غالبية الجهات الحكومية تزعم في تقاريرها أنها حققت الأهداف الموكلة إليها بكفاءة وفعالية، وكل مسؤول سوف يدافع بكل ما أوتي من قوة في الإقناع و"الفذلكة" اللغوية عن هذه المزاعم عند مناقشته.

هذا فيما يتعلق فقط بالرقابة على أداء الخدمات والأنشطة والبرامج الحكومية، ولكن ماذا عن الرقابة المالية في المجلس؟، فهل هناك رقابة على الميزانيات والحسابات الختامية لكل جهة حكومية؟ وهل تم الالتزام من قبل هذه الجهات بالأنظمة والتعليمات المالية؟ لأنه إذا كانت الرقابة المالية ضعيفة، فلا جدوى من رقابة الأداء من الأساس.

رقابة الأداء، في الغالب، تسأل أسئلة استراتيجية، وتحتاج إلى جهاز متكامل ومتخصص في الرقابة للإجابة عنها، وهذا النوع من الرقابة في الحقيقة ظهر في الدول المتقدمة، حيث بدأ أعضاء ونواب البرلمانات في هذه الدول بطلب معلومات عن مدى كفاءة وفاعلية الإنفاق الحكومي، وأعربوا عن عدم رضاهم عن الدور التقليدي للرقابة المالية، التي تركز فقط على الالتزام بالقوانين وعدالة القوائم المالية، ورغبوا في معرفة قيمة العائد من الإنفاق الحكومي، إذ توقعوا مساءلة أكبر للمسؤولين فيما يتعلق بتحصيل وإنفاق وإدارة الأموال العامة، وعليه حاولت الأجهزة العليا للرقابة في الدول المتقدمة التجاوب مع هذا التحدي عن طريق توسعة نطاق أعمالهم، وبدؤوا في تطوير رقابة الأداء.

وقد تم الاعتراف رسميا بأهمية الرقابة على الأداء في مؤتمر "الانتوساى" المنعقد سنة 1977، في ليما "بيرو" حين ذكر "يوجد نوع آخرمن الرقابة يتجه إلى الأداء: كفاءة واقتصاد وفعالية الإدارة الحكومية، وتتمثل هذه الرقابة إضافة إلى بعض الجوانب الخصوصية للإدارة، العناصر الأخرى التابعة لها بما في ذلك الأنظمة الإدارية".

فإذا أردنا بالفعل، تطبيق رقابة الأداء، فلتكن على أسس ومعايير واضحة كتلك الموجودة في الدول التي سبقتنا في هذا المجال، ولا بد لمجلس الشورى من ذراع رقابية يتمثل في جهة رقابية مستقلة تساعده في ممارسة وظيفته الرقابية، حينها ما على المجلس سوى أن يسأل عن أي برنامج أو نشاط حكومي في مدى تحقيقه للأهداف المنوطة به بكفاءة وفعالية؟ والرقابة تجيب عن هذا التساؤل من خلال رفع تقارير مهنية وذات مصداقية إلى المجلس.