بعد عقود من أزمة الطائرات المستمرة في مطار أبها، انفرجت الأمور بوصول الطائرة البوينج العملاقة، وسوف نطير معها جميعا إلى مستشفيات الرياض ليستكمل مرضانا علاجاتهم المتعثرة فيها، ونراجع جميع الوزارات والمؤسسات، وسوف نجلب كل البضائع والسلع، ولن يتأخر أحد منا عن متابعة متطلباته البسيطة حتى المستحقين للضمان الاجتماعي، وسوف نفتح صالة للفرسان في مطار أبها بعد الخصخصة التي جعلتنا رهينة بلا صالة فرسان، بالرغم من عضوياتنا وريالاتنا التي ندفعها نقدا، وعندما نصل إلى القاعة نجدها من ضمن منح الأراضي المستثمرة لبعض الأشخاص، وحتى نقضي على مشكلة المواصلات والنقل نرجو أن تتكرم علينا الأمانة بعربة قطار من عربات قطار الشرقية الذي يمكن أن نطلق عليه "الرجل المريض" من كثرة التعثر، على أن تعد له محطة وهمية بحيث نتوقع أنها في خططهم المئوية، كما نتوقع منهم بناء محطة للنقل الجماعي وجلب باص من باصات الحجاح من الخمسينات والستينات ليكون نواة لتلك المحطة المستحدثة، وحبذا لو تكرموا بسفينة من أحواض ميناء جازان أو جدة تكون نواة لميناء البرك أو القحمة، وتستطيع الأمانة أن تشتري دبابة أو مركبة فضاء لتحويلها إلى مطاعم، بعد أن ألغيت دورات المياه من المطاعم حين دخل "فكر الشك" إلى أبها، إبداعات غير مسبوقة للأمانة التي "أخلفت" شوارع أبها وصرنا ندور فيها حول أنفسنا للوصول إلى بيوتنا، فبدلا من أن نصل في ربع ساعة عبر شوارعنا الضيقة، نصل في ساعة، إن لم تزد، بعد توجيه كل المسارات للحزام الدائري الذي لن يستطيع تحمل الأزمة المرورية لأن المخارج التي وجهت إليها السيارات لا توجد فيها جسور لتسهيل الحركة، وبعض الجسور "الله يرحم الحال" من أربعين عاما لم تتغير، فمرة نكسر الرصيف ومرة ندهنه.

شوارع أبها لم تتغير، ولكن تغيرت الاتجاهات فيها، وأصبح من يذهب للشمال يتجه للجنوب، ومن يريد الشرق عليه الذهاب إلى الغرب، وكأننا في لعبة الكراسي، ربما تنتقل "فرة" الشباب العاطلين من الحارات والشوارع إلى أماكن أخرى غير التي اعتادوا عليها. أبها ومنذ توقف "مخطط أبها الحضرية" وهي مكانك راوح، والسؤال ما الجديد يا أمانة عسير؟ شوارعنا لا تشبهنا بعد تغيير وتحريف أسماء الحارات والشوراع التي لا نعلم كيف وضعت؟ ومن وضعها؟ ولماذا لا يستشار الأهالي في شوارعهم وحاراتهم؟ أهل أبها صاروا غرباء في حاراتهم وشوارعهم الجديدة التي يعيشون في تيه مسمياتها، ولكن تبقى الذاكرة الشعبية هي البوصلة لمعرفة الشوارع والأماكن والحارات، من يريد أن يضع أسماء جديدة فكان عليه أن يبني مدينة جديدة، وليتها تكون على البحر ويسميها ويحرف شوارعها ويبدل اتجاهاتها كما يشاء. ولهذا نقول لأمانة عسير: أين أراضي المدارس والحدائق والمصالح الحكومية المستأجرة؟ أليس تصحيح الأخطاء واجبا عليها، حتى وإن كان مبنيا عليها؟ لماذا لا تستعيد الأمانة الأراضي وتسلمها للجهات ذات العلاقة؟

والسؤال الأهم: لماذا لا تبادر الأمانة بمعالجة أخطائها المتراكمة منذ كانت بلدية وتشتري بعض الأراضي والمباني وتنزعها لصالح المدارس والمصحات والمؤسسات الحكومية والخدمات وغيرها، أم أنها سوف تستمر في تجريف الحزام في كل عام، لإيهامنا بأنها تعمل وتتقدم وتتطور؟ مسكين حزام أبها من كثرة ما حفروه أصبح مترهلا مثل بعض الفنانات وبعض السيدات بعد عمليات التجميل، يحتاج إلى الشد بين الحين والآخر نتيجة الترهل والتهتك والانشقاقات.

نحن نتكلم عن أبها فقط، فماذا لو سألنا أمانة عسير عن أعمالها في المناطق والمحافظات التابعة لها، حتى لا يكون كلامنا فقط مجرد نقد يحسبه البعض منا استنقاصا أو تقليلا من دور الأمانة دون أن نقدم الحلول. لهذا نقترح على الأمانة أن تتجه إلى القرى العسيرية الجميلة التي لا تشبهها القرى في أي مكان آخر، ويمكن أن تستثمر فيها الأمانة قيمة الخردة ومخلفات المدن الأخرى التي تجمعها في أبها، وما عليها إلا أن تستثمر في بعض القرى وتحولها إلى قرى سياحية بعد تأهيلها، وتضع فيها المقاهي والمطاعم ومراكز الترفيه، وتحول بعض بيوتها إلى متاحف محلية، وفنادق نجمتين أو ثلاثة، وتعمل على صيانتها، والتسويق لها. ونحن على قناعة أنها بهذه المبادرة سوف تشعل شمعة من الأمل في أن هناك عقولا تفكر في استثمار البيئة وليس في تجريف الجبال والأراضي والمزارع وتحويلها إلى مخططات ومنح.

إن الاستثمار في القرى وإعادة تأهيلها وترميمها وإدارتها سوف يجلب إلى المنطقة فرصا استثمارية كبيرة. ويمكن لرجال الأعمال الاستثمار فيها بشروط، ولا ننسى أهمية دور الأمانة وليس الأوقاف في ترميم المساجد وتنظيفها ورعايتها وصيانتها وإعادة بنائها بشكل معماري يليق بدور العبادة التي يجب أن تكون جاذبة للمصلين، وأكثر من هذا جميعا، أليس من حق أهل أبها أن يطالبوا الأمانة بالمزيد من الأمانة والمحافظة على ما تبقى من الساحات والحارات وتحويلها إلى ساحات عامة، فالساحات في عسير مرتبطة بالضيف والكرم والفرح وغيرها في الماضي. لا نريد المزيد من المباني وحبذا لو يتجه البناء للسماء، وتلزم المباني الجديدة بإيجاد مواقف للسيارات، ولتكن تحت المباني التي يمكن أن تستخدم في الكوارث الطبيعية كملاجىء للسكان في حال أي طارئ.