خالد هزاع الشريف


لو سألنا سؤالا سريعا من ثلاث كلمات فقط بالتحديد: ما هي مشكلات المعلمين؟ أو بادرت وزارة التربية بطرح هذا السؤال حبا في سماع أصواتهم- والحب يصنع المستحيل أحيانا- حتما ستأتي الإجابة من كل حدب وصوب بكافة المناطق، خاصة إذا كان السؤال إلكترونيا واسع الانتشار كأشياء كثيرة في حياتنا، باستثناء المناهج الورقية باعتبارها تراثا أصيلا.

وبالتأكيد سيأتي سيل من شكاوى المعلمين، وطبعا المعلمات اللاتي لن يفوتن الفرصة لبث همومهن، وأيضا عملا بمبدأ (انصر أخاك المعلم ظالما أو مظلوما)، وستنهال الانتقادات للوزارة ومديرياتها والشكاوى والطلبات عن الحصص ونهاية الخدمة والاستقطاعات وحلم المسكن إلخ.

لكن ما رأيكم لو قلبنا السؤال ليكون: لماذا تدنت مستويات المعلم؟ ولم يعد إلى ما كان عليه أساتذتنا، الذين قال فيهم الشاعر (كاد المعلم أن يكون رسولا)، وحيث كان الإجلال للعلم والتوقير لعقول وشخصيات لا تعرف لها رسالة غير التربية والتعليم، لكن كثيرا من المعلمين تجدهم في أشغال أخرى على كل لون، وهذه ظاهرة لافتة للنظر.

لقد قصدت الحديث عن المعلمين تحديدا دون المعلمات، كما أن المعلم الذي أتحدث عنه، هو غير المتفرغ للعلم ولا يطور نفسه.. كالذي يكون معلما في الدوام، وبعده يعمل سمسارا للعقار ووكيلا لأصحاب عمائر، لأن الرزق يحب الشطارة والبركة في الحركة، والذين يقضون ليلهم في التسالي والمشاغبة والمعاكسة مع فوضى (الفوسبوكيين)!.

إذا كانت منظومة التعليم تقوم على أركان أساسية معروفة، فإن المعلم هو حجر الزاوية منها، فما فائدة مبان نموذجية ومعامل ومناهج حديثة إذا افترضنا أنها متوفرة، بينما المعلم على حاله، لا جديد لديه ولا منه، فاليوم مثل الأمس، مثل العام، مثل عشر سنين مضت، نفس المستوى ونفس الأسلوب والطريقة، في حالة من الجمود الذاتي، وإجازة سنوية بالأشهر، الله أعلم كم معلما يستثمرها في تعميق تخصصه وقراءة التجارب والجديد فيه، وكم معلما يمضي ولو ساعة مع تخصصه النظري أو التطبيقي على الإنترنت الذي فيه المفيد والصالح، والضار والطالح والتافه.

فكيف يؤدي المعلم رسالته التعليمية في الحصة وهو مشغول بجديد ـ(قرقرات) الفيسبوك ومكالمات أعمال خاصة وصفقات عقار وأحوال السوق، ولا مانع أن يتلقى مكالمة أو رسالة جوالية قصيرة، ثم يرد عليها مع جرس نهايتها أو مع جرس الفسحة، ليتابع أشغاله في السوق ويخلص أموره المستعجلة في سوق العقار، وربما تصيب (ويوفق راسين في صفقة حلال) بين البائع والمشتري أو المالك والمستأجر. فماذا يتبقى في العقل والذهن للمادة والشرح وتقييم الطلاب علميا وتربويا؟.

بالمناسبة، الطلاب عادة لديهم قرون استشعار تلقائية، وأول شيء يرصدونه بدقة ليس المادة ولا الدروس وإنما شخصية المعلم.. هل هو حازم وجاد ويكهربهم بالمذاكرة والمناقشة والاختبارات.. أم عاشق للسهر يدخل الفصل متثاقلا ويشرح متثائبا، ويؤدي الحصة بسلام.

وبالمناسبة أيضا مثلما في الفصول طلاب هواة اللعب، هناك من يخاف على مستواه، ويشعر بالقلق من المعلم التاجر أو النائم، ومثل هؤلاء يكونون في حيرة ما بين الخوف على مستقبلهم أو مشكلة الانتقال إلى مدرسة أخرى بعيدة ذات سمعة جادة، أو مدرسة أهلية رسوم بعضها أسرع من نصل السكين في ذبح جيوب الأهالي بعد ارتفاع الرسوم وكأنها تحولت إلى مدارس خمس نجوم بينما مستواها وخدماتها ضحك على الذقون.

العالم يتطور سريعا بقاطرة التعليم الأساسي والعام قبل العالي والجامعي، ببناء العقول العلمية الباحثة المبتكرة عبر مراحل محكمة الترابط، وعندنا لا تزال المسافة واسعة بيننا وبين التجارب المتطورة، لأن التطوير وعلاج المشكلات مثل التصوير البطيء، فيتجاوزنا الزمن من جديد و(كأنك يا أبو زيد ما غزيت) ثم نتغنى بالتطوير وكأننا صنعنا المعجزات.

لا بد من استعادة دور المعلم والمعلمة ومكانتهما الموقرة اجتماعيا، لكن عليهم أن يساعدوا في ذلك باحترام رسالتهم، وسرعة تأهيلهم لتعليم العصر الواجب البدء فيه وتوديع عصر التلقين، حتى لا تكون المحصلة كالحرث في البحر بتأخر قدرات المعلم، في واقع تعليمي نتمناه أفضل لكنه غارق في أوراق ومناقشات ونفس الخطط رغم الاعتمادات!.

نقطة نظام: الظروف تكشف لنا معادن الناس.. بعضهم خاب فيهم الظن، وبعضهم أجمل بكثير مما كنا نظن.