ربما يكون عنوان مقالي مشابها للكتب التي تحتوي على الوصفات السريعة التي تحقق المعجزات من خلالها على غرار كيف تصبح مليونيرا؟ أو كيف تستطيع أن تكون قياديا ناجحا؟ وغير ذلك من كتب تطوير الذات التي تحمل أفكارا نظرية محفزة لقارئها لأن يكتسب مهارات سلوكية يطمح إليها حتى لو كان يفتقدها، وهي في استخلاصاتها لتلك الوصفات والإرشادات تتعامل بمثالية قد تبدو غير واقعية لأن هناك كثيرين لا يملكون في الأساس تصورات ذاتية لما يمكن أن يصلوا إليه أو يحققونه في حياتهم.

ولكي نكون واقعيين ونحن نرى سيلا من مثل هذه الكتب والإنتاجات النظرية، لا بد من استيعاب استخلاص منطقي منها، يصب في فكرة واحدة وهي أنها لن تنتج أي شخص ناجح ما لم يكن يحمل مقومات النجاح، ولذلك أعتقد أن أحد أهم عوامل النجاح وجود هدف ومن ثم تسخير كافة الإمكانات لتحقيقه، وهذا ليس بمستحيل، خاصة إذا تهيأت الفرص المحفزة والجمهور المتلقي لذلك لأن الشريحة المستهدفة أهم أسس النجاح في المجتمعات البشرية، ولكون الجمهور هو المحرك "لميكانزمات" النجاح عدت وسائل الاتصال هي المحور الأهم الذي يصافح الناس يوميا ويستطيع استقطابهم أو إبعادهم، وهنا يأتي دور المسؤول الناجح الذي يستطيع أن يقوم بدور الجذب كمحور لهذا النجاح.

عملية الاستقطاب من خلال وسائل الإعلام ووسائطه التقنية مثيرة للاهتمام، وإذا ما نظرنا بوضوح إلى تفاعلية تلك الوسائل التي تخدم أطرافا غير متناظرة وباحثة عن الاستقطاب والجذب، فإننا نقترب من مفارقات ومتغيرات تثير الدهشة حول أهمية تحشيد الناس حول شخص، خاصة في المواقع الاجتماعية لكسب النجومية وحصد النجاح، فالناس لا يلتفون حول الذات الإنسانية إلا إذا اكتسبت مزايا نسبية تضعها في مقامات "سوبر"، عدا ذلك فالنجاح والنجومية تتطلب جهدا خارقا يعلو بصاحبه على ما يمكن أن يقدمه غيره، وليس لوجـاهة اجتماعيـة أو وظيفية، بل قد يعد ذلك استغلالا للوظيفة التي تصبح عالية والمسؤول عنها أدناها.

والمسؤول الذي يبحث عن النجومية من خلال الوسائل الإعلامية وتقديم صورة ناجحة من خلال الاصطفاف حوله، إنما يقدّم في الواقع صورة أشبه بالزبد الذي يذهب جفاء إن لم يكن ذلك من صميم المعايشة الواقعية والحقيقية لهموم وقضايا المجتمع، فليس من جدوى لأن يتبع هذا المسؤول أو ذاك آلاف أو مئات الآلاف من المتابعين ليحرروا له شهادة نجاح لا تستقيم مع ما أنجزه بالفعل، الإنجاز الحقيقي والنجومية التي تأتي تلقائيا إنما هي في النزول إلى الشارع وتلمّس الاحتياجات ومعالجتها بصورة مباشرة دون قوائم انتظار تتكوّم في سجلات المسؤول فينسى أو يتجاهل أغلبها لأنه سيصاب بتخمة تحرمه فيما بعد من استحقاقات النجاح والنجومية التي يعد ثمنها باهظا بواقعية في المعالجة، وتوازن في التعاطي مع المشكلات، وصبر على ذوي الحاجات، وحين يحدث ذلك يأتي النجاح ومعه النجومية، فهي وصفة بسيطة وغير معقدة لذلك.

وفي تقديري ليس النجاح أمرا موهوبا وإنما مكتسب من خلال جهد وعمل مؤثر وذي قيمة، ولذلك فإن استغلال الجمهور المتلقي واستقطابه وتوظيفه لأجل النجاح ليس سلوكا مثاليا، لأن ذلك إنما يأتي بالأفعال وليس الأقوال، من خلال دراسة العملية التفاعلية لهذا الجمهور والوقوف على اهتماماته وقضاياه والنجاح في بحثها وحل مشكلاتها، وذلك يأتي تلقائيا بنجاح المسؤول، فالمجتمع يعاني كثيرا من البيروقراطية في الدوائر الحكومية، وأصبح متعطشا إلى أن يقف المسؤول بنفسه على قضاياه، والعمل الجاد على حلها، ولذلك فإن الهروب إلى الأمام لحصد متابعي المواقع الاجتماعية لن يكون مؤشرا للنجاح، وإنما بأفعال وأعمال واقعية ترتقي إلى سقف الطموح الاجتماعي والمعالجات المبتكرة للمشكلات، ودون ذلك فإننا أمام حالة إساءة فهم للنجاح تذوب معها أي نجومية مفترضة لهذا المسؤول أو ذاك.