قرأت الكثير من قصص النجاح، ولم أقرأ مثل هذه القصة أبداً... وقرأت الكثير عن الإنجازات ولم أقرأ عن إنجاز مثل هذا وحصلت لي حالات متباينة من الدهشة والتعجب مما قرأت، ولكن لم يسبق لي أن اندهشت وتعجبت بمثل ما حصل لي حين قرأت تلك القصة التي أذهلتني.

الكتاب كما يُقال يقرأ من عنوانه، والشركة كتبت عنوان قصة نجاحها بالخط الأخضر العريض هكذا ((قصة نجاح تحتاجها الأجيال، وإشراقات تضيء دروب الطامحين)) ثم أوضحت في عنوان آخر متميز وباللون الأخضر أيضاً العوامل والأدوات التي حققت بها هذا النجاح فقالت إن ذلك كله قد تحقق بـ((تخطيط علمي، ورؤى ثاقبة، وأفكار رائدة، تبحر بسفينة الشركة إلى قمة الإنجازات)).

ثم بعد هذا الإيجاز قدمت التفاصيل، ولا أريد أن ألخص ما قالت لأني مهما أجدت في التلخيص فلا يمكن أن أقدم الصورة المشرقة كما رسمتها الشركة لنفسها، وأفضل أن أترك استخلاصها لكم أيها الأخوات والإخوة، لكني فقط سأوضح نقطة من بحر لتكون نموذجاً ليس إلا، وهي أن الشركة نسجت قصتها وحققت نجاحها الكبير ليس خلال عشرات السنين، بل في عامين، أي في لمح البصر.

ولأنكم متلهفون الآن لمعرفة تلك الشركة فلن أطيل عليكم، وأقول إنها شركة زين السعودية للاتصالات التي قدمت قصتها الأسطورية في عدد من الصحف في صفحتين كاملتين، وإذا كانت الدهشة قد عقدت (حواجبكم) لكون شركة (زين) مازالت في المهد، ومن المدهش أن تحقق كل هذه الإنجازات، فسأجعلكم تندهشون أكثر فهي لم تحقق إنجازاتها وهي مازالت في المهد، بل وتفوقت في نجاحاتها وإنجازاتها على شركاتنا العملاقة الكبرى التي لها عشرات السنين وتحظى بدعم حكومي كبير، مثل شركة أرامكو، وشركة سابك، وهذا التفوق من زين على الشركتين الكبيرتين لم أختلقه من عندي، بل قالته وأكدته هي في قصة نجاحها التي روتها في إعلاناتها، فهي تقول بالحرف الواحد ((في الوقت الذي كثرت فيه قصص النجاح التي تستحق أن يسجلها التاريخ كنماذج يحتذي بها الطامحون، لتكون بوصلة تسير بهم نحو مبتغاهم، وتحقق ما خططوا له من أهداف، تتجه الأنظار إلى أبرز القصص في السوق السعودي التي جسدتها في العصر الراهن شركة زين السعودية، فهي قصة بلا شك تستحق أن تدون لتورَّث للأجيال)).

يا إخوتي الكرام في شركة زين... إن شركة زين ناشئة وتعرضت ومازالت تتعرض لمنافسة شرسة، ومن الطبيعي أن تواجه الكثير من المصاعب، ولكني واثق أنها بمشيئة الله وحوله ستتغلب عليها، والذي يمكن قوله الآن أن تلك الصعوبات التي تواجهها الآن يمكن اعتبارها مبرراً مقبولاً لتأخير نجاحها.. هذا هو الأمر المنطقي الطبيعي، ولا أدري لماذا قدمتم الشركة للمواطنين بهذا الشكل الذي لا يمكن أن تعبر عنه كل المفردات التي تؤدي معنى المبالغة، ولا أشك ولا يمكن أن يشك أحد في نبل هدفكم واستهدافكم مصلحة الشركة ومساهميها، ولكني لا أعتقد أن هذا الأسلوب الذي استخدمتموه يحقق الغرض المطلوب، بل ربما ينتج عنه العكس لما يحمله من التعالي الشديد، والادعاء الواضح، ولأنه في واقع الأمر (أي كلام).

والأسوأ من ذلك هذا التوقيت الذي اخترتموه، فقد قدمتم الشركة بهذا الشكل الأسطوري الكبير في الوقت الذي أعلنتم فيه عن تخفيض رأسمال الشركة إلى ما يقارب النصف من 14 مليار ريال إلى 7.32 مليارات لإطفاء الخسائر الكبيرة التي قاربت نصف رأسمالها، وكذلك في الوقت الذي طلبتم فيه من المساهمين دعم الشركة بسيولة إضافية تبلغ (4.38) مليارات ريال للتعويض عن بعض الخسائر، وكذلك في الوقت الذي بدا منه أن الشركة الأم الكويتية (زين) مترددة في دفع حصتها من الدعم المطلوب ولذلك كلفت بنكين عالميين لدراسة جدوى هذا كما نشرت بعض الصحف الكويتية ونقله لنا موقع أرقام.

شركة زين السعودية شركة وطنية مساهمة، ومن مصلحة كل مواطن أن تنجح وتحقق الأهداف التي من أجلها تم الترخيص لها بالعمل، وأعتقد أنه لو تم تقديم الشركة لهذا المواطن الحريص على نجاحها ومساعدتها في تجاوز مصاعبها بشكل آخر لكان أجدى، أما أن تقدم له بهذا الشكل الاستعلائي الذي لا يوجد مفردة من مفردات المبالغة يمكن أن تعبر عنه فإن هذا في رأيي ليس في صالح الشركة ولا في صالح مساهميها ولا في صالح الوطن والمواطنين. وأرجو أن يتقبل إخوتي الكرام في الشركة هذا الرأي بصدر رحب لأن غايته مصلحة الشركة مثل غايتهم ولعل طموحهم الكبير هو الذي جعلهم ينحون هذا المنحنى، ثم لعل هذا الطموح الكبير ينجح في الإبحار بالشركة إلى المستوى المأمول.