نشرت "الوطن" قبل أسابيع خبرين: الأول عن قيام عدد من القيادات التربوية النسائية بكشف مخالفات وتجاوزات في تعليم عسير تتعلق بقرارات إدارية خاصة بتكليف مشرفات ورئيسات أقسام، والخبر الثاني عن قيام موظفين يعملون بمراكز تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية بمنطقة القصيم برفع قضية ضد الوزارة بسبب قرارات نقلهم من مواقعهم الوظيفية، واصفين هذه القرارات بالتعسفية.

ويلاحظ على القضيتين السابقتين أنهما تتعلقان بالطعن في قرارات إدارية صادرة عن جهات حكومية، والإشكالية هنا تتمثل في عدم وضوح جهة الاختصاص للنظر في مثل هذه القضايا، ففي تعليم عسير تم رفع الشكوى إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وفي الشؤون الاجتماعية تم رفع الشكوى إلى هيئة الرقابة والتحقيق.

الأمر الآخر، هو عدم وضوح الأدلة أو الأساس النظامي في الشكاوى المرفوعة ضد التعليم والشؤون الاجتماعية، ففي تعليم عسير استندت الشكوى على وجود الواسطة والأهواء الشخصية في تشكيل التكليفات الإشرافية، دون وجود نظام واضح يطلع عليه الجميع، بالإضافة إلى عدم وجود معايير وبنود للترشيح، ونفس السبب في الشؤون الاجتماعية، حيث لا توجد مبررات واضحة أو معايير تعتمد عليها اللجنة المشكلة بغرض التنقلات الوظيفية.

وللأسف الشديد، فإن العديد من الجهات الحكومية لا تستند على معايير وأهداف واضحة لكثير من قراراتها، ناهيك عن السرية وعدم الشفافية، الأمر الذي يتيح نمو الإشاعات والتشكيك في متخذي القرارات، وبوابة مفتوحة لدخول الواسطات والمحسوبيات. وفي الآونة الأخيرة كثرت التظلمات من موظفي الجهات الحكومية بشكل ملفت للنظر، ولكن ما زال التعامل مع هذه القضايا يشوبه الغموض وقلة الوعي بأركان القرار الإداري.

في الفقه القضائي تتمثل عيوب القرار الإداري الموجبة لإلغائه في عدم اختصاص مصدره أو انعدام أسبابه أو خروجه على الأنظمة والقوانين أو عن الشكل المحدد لإصداره، وانحراف متخذ القرار بسلطته عن تحقيق المصلحة العامة، أو ما يسمى بالخروج على قاعدة تخصيص الأهداف.

ولنأخذ على سبيل المثال "عيب عدم الاختصاص"، الذي يتمثل في صدور قرار إداري من شخص لا يملك صلاحية إصداره، والسؤال المطروح هنا: هل لدى مدير فرع الشؤون الاجتماعية صلاحيات لإصدار قرارات النقل الوظيفي، وكذلك بالنسبة لمدير التعليم في اتخاذ قرارات التشكيل الوظيفي للمشرفات؟ فإذا كان كذلك فمن فوضهم بهذه السلطات وكيف؟

تنص المادة (31) من نظام الخدمة المدنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/49) وتاريخ 10/7/1397 على أن "للوزير تفويض بعض صلاحياته المقررة في هذا النظام"، وتنص المادة الثانية من لائحة تفويض الصلاحيات على أنه "يجوز للوزير تفويض بعض صلاحياته بموجب نظام الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية بقدر حاجة العمل ووفقاً لما يتناسب مع المركز الوظيفي للشخص المفوض".وقد تضمنت اللائحة بعض الضوابط لتفويض الصلاحيات، من أهمها: أن يكون التفويض بقرار مكتوب ويتضمن الصلاحيات المفوضة، كما لا يجوز لمن فوضت إليه الصلاحيات التفويض لغيره إلا بموافقة الوزير المختص، كما لا يعفي التفويض من المسؤولية.

وبناء على ما سبق، نجد في بداية كل سنة مالية، يقوم الوزير المختص في كل جهة حكومية بإصدار قرار مكتوب بتفويض الصلاحيات للوكلاء ومديري العموم، وعليه: هل لدى مدير الشؤون الاجتماعية، وكذلك مدير إدارة التعليم، صلاحيات مفوضة ومكتوبة لإصدار قرارات النقل أو التشكيل الوظيفي؟ فإذا لم توجد هذه الصلاحيات فالقرار يلغى من أساسه، أما إن وجدت فنأتي للعنصر الآخر من عيوب القرار الإداري وهو "عيب الشكل وصوره".

والمقصود بعيب الشكل، هو مخالفة القرار للإجراءات والقواعد التي حددها النظام أو القانون لإصداره، سواء كان ذلك بإهمال تلك القواعد كلية أو بمخالفتها جزئياً، والهدف من هذه الإجراءات هو إقامة بعض الضمانات للموظفين لتكون ثقلاً يوازي الصلاحيات الممنوحة للإدارة.

وعليه، فإن قرارات النقل أو التشكيل الوظيفي تخضع لقواعد وأحكام، منها قواعد التصنيف، بما في ذلك شروط ومؤهلات شغل الوظيفة الحكومية، وبالتالي نستطيع الحكم على مدى صحة القرار أو بطلانه بمدى توافقه مع هذه القواعد والشروط، وذلك من خلال الرجوع إلى لائحة النقل في نظام الخدمة المدنية أو التعليمات الرسمية الصادرة بهذا الشأن، وكذلك بالنسبة لتشكيل اللجان وأعمالها، فإذا ثبت عدم انتهاج كل من الشؤون الاجتماعية وإدارة التعليم لتلك الإجراءات، فإن القرارات الإدارية الصادرة تُعد باطلة نظامياً.

بالإضافة إلى ما سبق، هناك عيوب أخرى للقرارات الإدارية فقد تكون مخالفة للأنظمة والقوانين وبشكل صريح، أو أن الإدارة قد أخطأت في تفسير أو تطبيق قواعد قانونية أو الامتناع عن تطبيقها، وفي جميع الأحوال فإن أحد هذه الأسباب يطعن في صحة القرارات الإدارية، وأخيراً هناك "عيب الانحراف بالسلطة" والمتمثل في الانحراف عن المصلحة العامة لأهداف شخصية.

أما فيما يتعلق بالسلطة المختصة للنظر في إلغاء القرارات الإدارية، فهي سلطة القضاء الإداري المتمثلة في ديوان المظالم، بوصفه المحكمة الإدارية المختصة في الفصل في المنازعات المتعلقة بالطعن في القرارات الإدارية، كما جاء في نص المادة (13) من نظام الديوان، متى كان مرجع الطعن عدم الاختصاص، أو وجود عيب في الشكل، أو عيب في السبب.. إلخ، لذا كان يتوجب على الشاكين في إدارة التعليم وكذلك الشؤون الاجتماعية، التوجه إلى الديوان بدلاً نن نزاهة وهيئة الرقابة والتحقيق.

كما تجدر الإشارة هنا إلى أن توافر أي من أسباب دعاوى الطعن في القرارات الإدارية المذكورة آنفاً ليس كافياً بذاته لقبول تلك الدعاوى، وإنما يتطلب الأمر معرفة المواعيد المقررة نظاماً والمسبوقة للتظلمات الإدارية، والموجودة في نظام الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية، وكذلك في نظام ديوان المظالم، ومن ذلك على سبيل المثال المادة (36/11) من لائحة تقويم الأداء الوظيفي بشأن التظلم من تقارير الكفاية خلال مدة (15) يوماً من تاريخ علم الموظف بها.