تصاعدت وتيرة مطالبات بعض المواطنين وتهديداتهم برفع قضاياهم لهيئة حقوق الإنسان. لم تكن تلك المطالبات الممزوجة بالتهديدات مألوفة إلى وقت قريب. لكن المألوف أنّ الإنسان لا يصعّد شكواه إلا إذا ذاق مرارة الظلم نتيجة لسلب حقوقه أو تهميشه أو انتهاك ذاته أو إهمال مطالبه وتعمد إساءة معاملته وإهانته كإنسان كرمه الله، إذ قال تعالى "ولقد كرمنا بني آدم". عندما أحس بعض المواطنين بالإجحاف وعدم الوفاء بالالتزامات ولمسوا تقصير الجهات المسؤولة في التعاطي الجاد مع قضاياهم لجؤوا إلى هيئة حقوق الإنسان على أمل أن يؤدي تدخلها إلى تصحيح الأوضاع الخاطئة ومنحهم حقوقهم التي يطالبون بها.

اطّلعت على بعض القضايا المعروضة أمام هيئة حقوق الإنسان وهي كثيرة ولا يمكن حصرها في هذه المساحة الضيقة لكني سأنتقي بعضا منها لطرحها:

في المدينة المنورة مجموعة من الفتيات اليتيمات هربن من قرية الأيتام فرارا من سوء المعاملة وطالبن بتدخل هيئة حقوق الإنسان للوقوف على أوضاعهن السيئة وسوء تعامل مشرفات الدار ولجوئهن للقمع والتسلط وتدني مستوى الخدمات الصحية والمعيشية والنفسية.

وفي الرياض قدم خمسة وعشرون خريجا جامعيا من أقسام اللغة العربية التماسات لهيئة حقوق الإنسان مطالبين بتفسير تجميد وزارة التربية لطلبات تعيينهم منذ أربع سنوات واجهوا خلالها الإحباط واليأس وتجاهل الوزارة لكل نداءاتهم وتوسلاتهم.

وعلى صعيد الإهمال والتكدّس وسوء الخدمات في مطار الملك عبد العزيز بجدة واستجابة للشكاوى المتكررة قامت هيئة حقوق الإنسان بجولة مفاجئة في صالات المطار ولاحظت سوء التنظيم وانتظار المعتمرين لساعات طويلة في أجواء رطبة وشديدة الحرارة.

تظلمات المواطنين وشكاواهم تكشف حجم التقصير الذي ترتكبه بعض الجهات الحكومية بحقهم ولا مبالاتها في التعامل مع القضايا، وفي المقابل فهيئة حقوق الإنسان ما تزال برّاقة مظهريا، وما قدّمته حتى الآن لا يوازي طموحات المتظلّمين وأقصى ما يمكن أن تفعله القيام بالجولات وكتابة التقارير ورفعها للجهات المعنية دون أن تتمكن من رد حقوقهم أوالترافع عنهم، وهذا يعني أنّ قضية المتظلّم ستعاد برمتها لجهته "خصمه" التي أجحفت في حقه لينطبق عليه المثل الدارج "إذا صار خصمك القاضي من تقاضي" وأخيرا "الشكوى لغير الله مذلة".