البحث عن التكامل المفقود بين التعليم والبحث العلمي وسوق العمل والتنمية في الدول العربية، كان السؤال الملح الذي أجاب عنه التقرير السادس لمؤسسة الفكر العربي، الذي تناول ظاهرة البطالة في 7 دول عربية؛ هي (سورية، لبنان، الأردن، السعودية، الإمارات، العراق، تونس).

وطبقا لرؤية رئيس مؤسسة الفكر العربي الأمير خالد الفيصل، التي استفتح بها هذا التقرير الذي سيعرض اليوم على المشاركين، وتنشر "الوطن" بعض تفاصيله، فإن "مؤسّسة الفكر العربي – مؤسّسة كل العرب – كانت وما تزال تؤمن بأن التعليم والبحث العلمي هما حجر الزاوية في أي مشروع نهضوي عربي".

وأضاف "لذلك تمّ تخصيص تقرير هذا العام لتشخيص ودراسة قضية التكامل المنشود في بلداننا العربية بين حلقات التعليم والبحث العلمي وسوق العمل والتنمية"، وأعرب الفيصل عن أمله في أن يسهم ما سيسفر عنه تقرير هذا العام من نتائج بشأن تشخيص واقع التعليم والبحث العلمي في إثراء حركة النقاش حول كيفية توظيفها بما يخدم قضايا التنمية البشرية المستدامة في عالمنا العربي". مردفا بالقول "ولئن كان التعليم هو الرافد الأساسي للبحث العلمي.. فالبحث العلمي بدوره هو قوة الدفع الكفيلة بإطلاق طاقات سوق العمل.. ومن تكامل هذه المقومات الثلاثة تمضي حركة التنمية الشاملة قدماً إلى الأمام".

وتبحث الدراسة في تناقضات المشهد في الحالة التونسية على سبيل المثال والأسباب التي قادت لأن تكون الشرارة الأولى لاندلاع ما يسمى بـ"الربيع العربي"، رغم أن كل التقارير الدولية كانت تذهب باتجاه أن تونس مثالا يحتذى، وهو ما قالت إنه يكشف عن جهل كبير في حقيقة الأوضاع الداخلية الحقيقية لهذا البلد العربي.

ويرى التقرير العربي السادس للتنمية الثقافية أن أحد أسباب البطالة في تونس يرجع في جزء كبير منه إلى نجاح البلاد في تعليم عدد كبير من السكان؛ فهنالك حوالي 70 ألف طالب سنوياً يحصلون على الجامعية. وبسبب ارتفاع عدد المؤسّسات الجامعية والزيادة السريعة في عدد طلاب المدارس الثانوية، فإن حوالي 60% من الوافدين الجدد إلى سوق العمل هم من خريجي الجامعات.

ويتابع "مع ذلك إذا ما قارنا العدد السنوي من الحاصلين على الشهادة الجامعية بفرص العمل التي يخلقها اقتصاد البلاد سنوياً (وهي تتراوح بين 70 ألف و80 ألف فرصة عمل كل سنة) يصبح من السهل أن نفهم سبب التزايد السريع في معدل البطالة بين خريجي التعليم العالي".

السعودية والإمارات، كانتا من ضمن الدول المستهدفة في الدراسة، وتناول التقرير التكامل المفقود بين التعليم والبحث العلمي وسوق العمل في المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة كحالتين دراسيتين؛ نظراً لأن الأولى تتمتع بديموجرافيا سكانية ذات غالبية وطنية عالية ومساحة جغرافية واسعة وكيان موحد قديم نسبياً، والثانية تتسم بديموجرافيا سكانية ذات غالبية سكانية وافدة وامتداد جغرافي متوسط نسبياً، مع كيان موحد حديث صحبته معدلات تنموية سريعة جداً خلال مدة زمنية قصيرة قياساً إلى أعمار الدول. أضف إلى ذلك معاناة النموذجين من معدلات البطالة المرتفعة أكثر من دول الخليج الأخرى.

من البيانات والإحصاءات التي يستعرضها التقرير تبرز السمات المشتركة لهاتين الدولتين الخليجيتين بإيجابياتها وسلبياتها في المنظومات التعليمية والبحثية والمهنية وانعكاسها على سوق العمل والآثار المتعددة الجوانب التي تلح في طلب البحث عن حلول جديدة جذرية لها، بعدما أخفقت المعالجات المتخذة السابقة ولم تحدّ من تفاقم مسألة البطالة لدى المواطنين.

بلغ متوسط سنوات الدراسة للفرد في المملكة العربية السعودية ـ بحسب التقرير العربي السادس للتنمية الثقافية ـ 8.48 سنوات، مما جعلها تحتل المرتبة الخمسين بين 125 دولة من دول العالم، وبلغ معدل الالتحاق بالتعليم الثانوي من الشريحة المعنيّة بهذا المستوى من مجموع السكان 32.78% في العام 2011. وتتصدر المملكة العربية السعودية قائمة شقيقاتها الدول الخليجية في نسبة الإنفاق العام على التعليم من الناتج المحلي الإجمالي.

أما عن نسبة الإنفاق على البحث العلمي من الناتج المحلي الإجمالي قبل تنفيذ السياسة الوطنية للعلوم والتقنية، حيث لم تتجاوز 0.04% ، فتبيّن تصاعد حجم النموّ في مخصصات البحث العلمي منذ أن باشرت المملكة تنفيذ خططها الوطنية في العلوم والتقنية والابتكار، بحيث تضاعفت المخصصات أكثر من 300%، فيما تستهدف المملكة أن تصل نسبة إنفاقها على البحث العلمي والتطوير التقني إلى 1.6% تدريجياً بحلول العام 2025 وفق ما ورد في وثائق السياسة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار للمملكة.

وخلص التقرير إلى أن التحدي الملحّ في مواجهة التعليم العالي في المملكة العربية السعودية هو حاجته لبرامج أكثر استجابة لمتطلبات السوق، وإلى تطوير برامج متخصّصة ومناسبة لأغراض التنمية المهنية، فضلاً عن ضرورة إيجاد معادلة جديدة لخفض تكاليف الجامعات مع تعزيز جودتها وفك الارتباط القائم بين التكلفة والجودة، وصولاً إلى صيغة تتوفّر فيها جودة عالية بتكلفة مناسبة اجتماعياً.

وفيما يخص كل من الأردن ولبنان وسورية، فقد لحظ التقرير أن الأولى تعاني مجموعة من التناقضات فيما يخصّ العلاقة بين التعليم وسوق العمل. فهو، من جهة، يطمح إلى زيادة الالتحاق بالتعليم العالي والتحوّل إلى اقتصاد قائم على المعرفة، بينما ما زال القسم الأكبر من فرص العمل المستحدثة لا تتطلّب سوى مؤهّلات ما دون مستوى التعليم الثانوي.

وفيما يخص الحالة اللبنانية، فيشير التقرير إلى أن التقديرات حول عدد اللبنانيّين الذين هاجروا ما بين العام 1975 والعام 2005 ولم يعودوا تشير إلى حوالي 550,000 نسمة، على الرغم من عودة أعداد كبيرة من المهاجرين حوالي العام 1995 بعد عودة السلم الأهلي والانحسار النسبي للهجرة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

فيما يخصّ سورية، وعلى الرغم من القانون الذي يقضي بإلزامية التعليم حتى نهاية التعليم الأساسي من تسع سنوات، وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها سورية لتأمين فرص التعليم للجميع، هناك حوالي 30% من الأطفال خرجوا من النظام التعليمي في السنوات الأخيرة قبل إنهاء التعليم الأساسي بمعدّل عمر يبلغ حوالي 14,5 سنة.

ويصف التقرير بحثه للحالة العراقية بأنها عبارة عن مغامرة علمية حقيقية، لا سيما أن البلد قد مر بسلسلة من الأحداث الجسام خلال العقود الأربعة المنصرمة من تاريخه الحديث، سادتها بضعة حروب ضروس، وحصار خانق، تبعه احتلال مقيت أجهز على ما تبقى من بنى تحتية (غفلت عنها آلة الحروب السابقة، أو تجاوزها طاعون الحصار).


أهم محطات "فكر" في 12 عاما

• مؤتمر القاهرة 2002 (نحو علاقة عادلة بين العرب والغرب)

• مؤتمر بيروت 2003 (استشراف المستقبل العربي)

• مؤتمر مراكش 2004 (العرب بين ثقافة التغيير.. وتغيير الثقافة)

• مؤتمر دبي 2005 (تغطية الحقيقة)

• مؤتمر بيروت 2006 (لم يعقد بسبب حرب تموز)

• مؤتمر المنامة 2007 (الاستراتيجية العربية لعصر العولمة)

• مؤتمر القاهرة 2008 (ثقافة التنمية)

• مؤتمر القاهرة 2009 (التكامل الاقتصادي العربي)

• مؤتمر القاهرة 2010 (العالم يرسم المستقبل.. دور العرب)

• مؤتمر دبي 2011 (ماذا بعد الربيع؟)