لماذا يظن البعض أن الغد سيكون أجمل وأفضل من اليوم الذي نحن فيه؟ هل مفاتيح الفرج ومصباح علاء الدين يكمنان في الغد المجهول والقادم المأمول؟ لم كل هذه الزوبعة التفاؤلية بخصوص المستقبل الذي لم يأت بعد؟ أنا لست ضد التفاؤل الذي يسكنني دائما، أنا ضد نكران جميل "اليوم" الذي نعيش بين أحضانه، ونكران كل لحظة جمال فيه، من صحة وأحوال ميسورة وضحكات مغمورة قد كانت من أمنيات القادم الجميل، ليصبح اليوم القادم الذي تمنينا قدومه، فنحكم عليه بالرحيل وهو في مقتبل العمر.

لو كنا نقوم بتبهير أيامنا بتوابل التفاؤل وعناقيد الأمل لما كتبنا على حيطان هواتفنا "القادم أجمل بإذن الله" وتفوهناها بكل عبرات مكلومة، فاليوم والأمس والمستقبل كلها جميلة بمجرد تناولنا لعقار الأمل والثقة بالله لولادة غد مشرق، فباستطاعتنا أن نعمم هذه النظرة المشرقة على ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا؛ كي لا نكون على مشارف الضياع الروحي متجرعين ملاعق الانتظار المرة.

قد لا نعيش للغد المنتظر، وقد لا نلامس نعيمه الذي نطنه، فنكون قد شوهنا معالم اليوم الذي نحن فيه، فنعيش على ضفاف الأيام مهزومين متحسرين، فقد شطبنا يوما غازلنا بوميضه من سجلات العمر، وقمنا بوأده قبل أن يستنشق عبير الحياة..

يقول الإمام علي كرم الله وجهه: "لا تحمل هم الغد، فقد لا يأتي الغد، فتكون قد ضيعت سرور اليوم". أفراح اليوم وأتراحه كثيرة وبإمكاننا أن نحيك من ساعاته الطويلة فرحا لا يغادر وعمرا لا ينجلي وعشقا لا ينتهي، فقط أحسنوا استثمار يومكم واتركوا الغد محلقا بعيدا بين أسراب الطيور المهاجرة؛ لأنه عائد لا محالة، فصقيع التاريخ سيعيد ترتيبه بين صفحات التقويم ودفاتر الذاكرة..!