عظم الله أجرك أيها المواطن المخلص الدكتور إسماعيل البشري، نحن ندرك حجم الألم ولكننا ندرك حجم المحبة والتقدير لكم في هذا الوطن العزيز وخارجه، وما تعرضتم له من مصاب هو ألم لكل من يعرف الدكتور إسماعيل، الذي تربطه بالكثيرين القصص والروايات الطيبة التي تدل على أخلاقه ومناقبه الحسنة، والتي ترجمت لنا أيضا عظمة هذا الوطن وتلاحم المسؤول مع المواطن في وقت يكون في أشد الحاجة لمن يواسيه ويقف إلى جانبه.

لقد شعرنا بتقدير كبير عندما نتابع وجود المسؤولين يواسون مواطنيهم ويشعرونهم بالقرب منهم خاصة في هذا الظرف الاجتماعي والوطني المؤلم، الذي يحتاج إلى التلاحم والمحبة بين المسؤول والمواطن. والعزاء ليس للدكتور البشري ولكنه عزاء لكل الوطن. هذا الرجل الأنموذج في وطنيته ومحبته وأخلاقه بادله الوطن بكل شرائحه بالمواساة والحزن والألم على هذا المصاب، الذي أصابنا جميعا لأن الشجرة الطيبة لا تثمر إلا الطيبين.

عرفت الدكتور إسماعيل في مواقف كثيرة خاصة في عملنا معا في جامعة الملك خالد حين كان وكيلا للجامعة، ولن أنسى له مواقف كثيرة مشرفة كان أهمها معالجته للقضايا الإنسانية التي تمس حقوق الآخرين سواء من زملائه في الجامعة أو الطلاب، ولكنني أيضا أود أن أقارب بين شخصية الدكتور إسماعيل المسؤول وبين شخصيته المواطن لأن الرجال الأوفياء لوطنهم ولمجتمعهم ولدينهم وقيمهم يجب أن تبرز لأنهم هم النموذج الصالح الذي يجب أن يقتدى.

وهنا أذكر بموقف أكاديمي للدكتور إسماعيل البشري حين كنت عميدا لكلية التربية قررنا في كلية التربية أن نعقد دورة لتطوير الأداء المهني لأعضاء هيئة التدريس في الكلية برعاية مدير الجامعة، وهي محاولة من الكلية للتطوير والتقييم الذاتي للكلية لرفع كفاءة وأداء أعضاء هيئة التدريس وتطوير مستوى تحصيل الطلاب، وقد شارك جميع أعضاء هيئة التدريس في الكلية في الدورة، منهم من كان يحاضر والبقية يسهمون في النقاش والحوار، وتحولت الدورة إلى ورشة بعد أن كانت مثار جدل بين الزملاء، وكانوا غير مقتنعين كيف يحاضر بعضهم على بعض؟ ولكنهم في ختام الدورة أصروا على تكرارها وكانت نتائجها إيجابية للغاية.

وما يهمنا هنا أن مدير الجامعة وهو الراعي للدورة وكان يجب أن يحضر حفل الافتتاح ويرفع معنويات المشاركين ويشجعهم على هذا التوجه العلمي والأكاديمي، وكنت في مكتبه لأذكره بالافتتاح الذي دعينا إليه الزملاء من الكليات المختلفة وحضر بعض العمداء، وكان حضورا كبيرا، فقد تغيب المدير بعد تأكيده لنا بالحضور، ولم يتبق سوى ساعات قليلة على حفل الافتتاح، وكنت قد خرجت من مكتب المدير وذهبت إلى وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي وطلبت منه أن يؤكد على حضور مدير الجامعة حتى يزرع الحماس في نفوس الزملاء ويشجعهم على الاستمرار وعلى التطوير، ولم أعلم أنه قد كلف بالحضور نيابة عن مدير الجامعة، وبعد أن أنهيت جلستي وطلبي منه أن يلح على حضور مدير الجامعة، قال لقد كلفني المدير بالحضور نيابة عنه، فانصدمت لأنني لم أكن أعلم، وأنا خرجت من مكتب المدير إلى مكتب الوكيل لدعوته، شكرت الوكيل وقلت له نحن بانتظارك. انتظرنا ثم انتظرنا، لا مدير الجامعة شرفنا الافتتاح ولا الوكيل العلمي جاء، والجميع ينتظرون إطلالة أحدهما. اتصالات لمدير الجامعة وللوكيل ولكن لا إجابة. وبعد أن مر وقت كبير وخشينا من خروج الأساتذة من القاعة اتصلنا بالدكتور إسماعيل وكان وكيلا للجامعة، وأبلغناه بما حصل فقال أعطوني ربع ساعة وسوف أكون عندكم. وجاء والابتسامة لا تفارق محياه كما عهدناه. ابتسامته جزء منها يعبر عن الوضع المحزن الذي وضعنا المدير والوكيل فيه، والجزء الآخر منها هو الطبيعي المعبر عن المحبة والتقدير المشتركة بيننا، بدأ الحفل وارتجل الدكتور إسماعيل كلمة وسدد وقارب وهو يعرف أننا في الكلية قد شعرنا بأن هناك عدم اكتراث من إدارة الجامعة للجهود التي نقوم بها، ولكنها لم تثننا من تكرار تلك الدورة في الاختبارات وفي طرق التدريس بل نقلنا جهودنا تلك للتدريب في جامعة دمشق لعدة سنوات.

كم كانت سعادة الجميع بوجود الدكتور إسماعيل، الذي لم يكن مكلفا بحضور الحفل ولكنه استشعر أهمية وجود إدارة الجامعة في تلك اللحظة التي كان الشعور السلبي يغمر الجميع تجاه إدارة الجامعة، وكان سيترتب عليها كثير من المشكلات بين الكلية وإدارة الجامعة. وهناك كثير من المواقف الإنسانية للدكتور إسماعيل في معالجة بعض الأوضاع التي تمس الزملاء والموظفين في الجامعة، وكنت مع الدكتور إسماعيل في معالجتها، فكان بحكمة وبمسؤولية وبوطنية ومحبة يعالج الأمور.

سردي لهذا الموقف الأكاديمي الأخلاقي العلمي نموذج لمئات المبادرات، والتذكير بمواقف الدكتور، ولكنني أريد أن أقول إن مثل هذا الرجل بقيمه وبأخوته ومحبته وتدخله في معالجة الموضوعات المختلفة ما كان لولا ما يتمتع به من صفات ومزايا نتمناها في كثير من مسؤولينا، الذين يفتقدون إلى الجانب الاجتماعي والإنساني في إدارتهم. ترك الدكتور إسماعيل الجامعة ليذهب إلى جامعة الشارقة وكنت على تواصل معه في مواضيع على مستوى الجامعات العربية، وللشهادة فإن إسهاماته في دعم اتحاد الجامعات العربية تستحق الشكر والتقدير، والبعض لا يعرفون الدكتور إسماعيل إلا في محيطه الوطني، ولكنه محيط في الفضاء العربي، ورائحته العطرة في الخارج مثل طيبه في الداخل. أحسن الله عزاءك يا دكتور إسماعيل ولا أراك مكروها وتغمد الله أبناءك وبناتك برحمته.