الهاجس الذي يشغل المجتمع اليوم بكامل طبقاته وأفراده هو الإسكان، وهو الذي يشكل المشكلة الكبرى في المجتمع نظراً لارتفاع سعر الأراضي وارتفاع أسعار الوحدات السكنية وسيطرة "هوامير" العقار عليه واحتكارهم البغيض له.. ولا يصدق أحد أننا في بلد معظم مساحات مدنه الداخلية - حتى الكبيرة منها - غير مستغلة ومساحاته بشكل عام من الأراضي شاسعة جداً، ومع ذلك أغلى ما فيه الأرض السكنية.. لا يصدق أحد أن أساتذة الجامعات والمعلمين وكافة الطبقة الوسطى فضلاً عن الأقل منها لا يستطيعون امتلاك منزل.. وإذا لم تصدقوا فاحتكموا إلى إحصائيات الجامعات والمدارس.. ولا يصدق أحد أننا منذ سنين وحتى بعد إنشاء هيئة الإسكان التي تحولت إلى وزارة أننا ما زلنا "نلت ونعجن" في موضوع الإسكان حتى انطبق علينا قول "جعجعة بلا طحن".. ولا يصدق أحد أن الزوج والزوجة اللذين لديهما رواتب تصل إلى 26 ألف ريال "معلم ومعلمة" لا يجدون نظاما يملِكهم منزلا.. ولدي أمثلة من الواقع لمن أرادها.. ولا أحد يصدق أن الذين امتلكوا منازل خضعوا لجشع البنوك بما يشمله ذلك الجشع من ارتفاع فائدة القروض التي حصلوا عليها لامتلاك سكن لأنه لا بديل للخضوع للبنوك وجشعها.. وهنا نسأل بالرغم من معرفتنا وسماعنا للإعلان الذي أطلقه وزير الإسكان قبل عام في منتدى جدة الاقتصادي بحضور الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة آنذاك، ووزير التجارة، عن خروج ما أسماه "استراتيجية الإسكان"، وها نحن نسأل الآن أين أثر هذه الاستراتيجية على أرض الواقع؟ وبعد أكثر من عام على هذا الإعلان لا نرى على الواقع حلولاً واضحة، تمكن المواطن المسكين من السكن إذ أقض مضجعه وقصم ظهره ما يخصصه من دخله للسكن، السكن الذي يمثل العبء الأكبر على مصروفات العائلة، والذي يمثل العقبة الكأداء في وجود ظاهرة العنوسة، والذي قد يمثل الجزء الأكبر من مشاكل مجتمعية بين الشباب يعرفها الذين يبحثون في مشاكل الشباب وتجاوزاتهم المختلفة، ويعرفها العاملون في الجهات الأمنية وبعض الجهات المسؤولة عن الأحداث اليومية في المدن والقرى والهجر، وهي لا تخفى على أحد.
أقول هذا الكلام لأن السكن يشكل الاستقرار الذي يدفع الشباب للزواج الذي ينهي العنوسة.. والاستقرار الذي يمنع الفراغ القاتل الذي يؤدي بالشباب إلى التفكير في بدائل لا تكون في صالحهم ولا في صالح مجتمعهم.. السكن يمثل الاستقرار المادي الذي يوفر جزاءً كبيراً من دخل الفرد يعينه على مواجهة التضخم الذي تشهده المجتمعات.. الاستقرار المادي الذي أدى غيابه إلى مطالبة المجتمع بكافة فئاته في رمضان العام الماضي إلى رفع الرواتب، السكن يوفر جزءاً كبيرا من دخل الفرد يتراوح بين 40-50% يمكن توفيرها أو صرف جزء منها في معالجة مشكلة ارتفاع الأسعار وغيرها.
في ظني أن مشكلة وزارة الإسكان تتمثل في إصرارها على أن تحل المشكلة بنفسها، وهذا مستحيل، المؤسسة الحكومية في كل حكومات العالم لا يمكن أن تكون مؤهلة لتقديم كافة الخدمات بنفسها فقط.
على وزارة الإسكان أن تسعى مع الوزارات المعنية إلى تسهيل نشوء شركات الإقراض العقاري التي أعرف أن عدداً كبيراً منها يتقدم للحصول على التصاريح ليدخل سوق العقار مساعداً ومنافساً للبنوك التي تقصم ظهور المواطنين بقروض فيها عقود إذعان لا يملك المقترض إلا الموافقة عليها، وإن كنت أظن أنه لا يقرأها لأن فرحته بالموافقة على القرض مهما كانت شروطه ومهما كان عبأه تنسيه ما يترتب عليه من شروط مجحفة أقلها الفائدة الكبيرة وأكبرها بيع العقار واستحصال البنك لمبالغه حتى لو أدى ذلك إلى رمي المقترض في الشارع مع عائلته.
عرفت أن شركات الإقراض أقل إجحافاً من البنوك فهي تحسب الفائدة على المبالغ المتبقية، وفوائدها أقل من البنوك، وإجراءاتها أسرع، هذه الخطوة يا معالي وزير الإسكان تجعل المواطنين شركاء لك في رفع نسبة الحاصلين على الإسكان لأنهم يتقدمون بأنفسهم للحصول على القرض ويشترون أو يبنون بأنفسهم مساكنهم بدلاً من أن تسعى وزارتكم الموقرة لوحدها لتوفير السكن لكل المواطنين..
"الدبرة" يا معالي الوزير وحتى مع وجود البنك العقاري ومساهمة وزارتكم والبنوك الربحية والشركات العقارية، حتى مع كل هذه الجهود لو افترضنا أنك وظفتها جميعها بنجاح ستبقى هناك في الخمس سنوات القادمة فجوة تقدر بثلاثمئة وخمسة وسبعين ألف وحدة سكنية كتبتها كتابة حتى لا يُظن أن هناك خطأ مطبعيا في الرقم، هذا يا معالي الوزير يبين بوضوح حجم المشكلة، إذن، إذا كنا نفترض أنك سعيت لتوظيف كل تلك الجهات لمساعدتك ويبقى هذا العدد الكبير كفجوة في الإسكان، كيف تظن أن الوزارة لوحدها تستطيع حل مشكلة الإسكان؟ لا بد كخطوة أولى أن تسعى وزارة الإسكان مع الجهات التي ترخص لشركات الاقتراض العقاري بالظهور في السوق وتسهيل إجراءاتها وسيكفيك المواطن الحصول على السكن بنفسه، يا معالي الوزير لنا في حصافة رأيكم الأمل الكبير.
بلادنا تعيش عصراً ذهبياً بفضل الله ومنته من حيث الاستقرار والقوة الاقتصادية، وإذا لم يتم حل مشكلة الإسكان في هذا الوقت فإننا لا نعلم وقتاً آخر أكثر ملاءمة من هذا الوقت.. هل تعي وزارة الإسكان ذلك وتكون في مستوى المسؤولية وترفع المعاناة عن أكثر من نصف المجتمع الذي لا يملك سكناً؟ إننا نسأل فقط!