وضعت مرة صورة افتراضية لرجل ينظر بغضب واشمئزاز وكتبت تحتها "السعودي المبتعث عندما تدخل سعودية مبتعثة للكافيتريا في الجامعة"؛ فتوالت التعليقات من القراء بعضها مؤيد وبعضها مستنكر وبعضها يتساءل: هل فعلاً ينظرون لبنات بلدهم وزميلاتهم هكذا؟!

في الواقع، أن الأمر لا يخلو من كونه مزاحاً لكنه يحمل جانباً من الحقيقة نواجهها دائماً كسعوديات، ودعوني أحك لكم عن موقف حدث لي في الجامعة؛ حيث كنت أتحدث مع زميلة تدرس الدكتوراه في تخصص علمي عظيم، ثم استأذنتني لتأخذ من المقهى القريب من حيث نقف فنجان قهوة، وقفت أنتظرها لكنها عادت بلا قهوة وهي تقول: "بلاش قهوة، الآن فلان في المقهى"، وفلان طالب سعودي يشبه غضبه من السعوديات صاحب الصورة التي وضعتها بتويتر، نظرت لزميلتي طالبة الدكتوراه والمنقبة وقلت: وما له ولك؟ فردت بأنها تشعر بإحراج منه، صمت ومضيت في اليوم الذي يليه دخلت إلى نفس المقهى فوجدته أمامي بنظرته نفسها، فارتجفت للحظة وكدت أفعل مثل صاحبتي وأعود أدراجي بلا فنجان قهوتي، لكن كل النساء الجنوبيات البدويات التي تجري في عروقي دماؤهن وقفن فجأة أمامي متسائلات: هل سيأكلك؟! فعدت أقف أنتظر دوري غير مبالية بنظرته أفكر: هل واجهت جداتي هذه النظرة قبلي أم كان من حولهن رجال حقيقيون يرونهن كشريكات في النقد والثناء؟

قد يقول قائل: إن هذا الرجل الذي يحرم علينا كسعوديات أخذ فنجان قهوة من مقهى في الحرم الجامعي بينما هو رابض به طوال النهار مجرد حالة فردية، لكن الواقع يقول غير ذلك، يكفيك أن تقرأ في مواقع التواصل الاجتماعي ثم تشاهد مسلسلات طاش أو المالكي، ولك أن تعبر على صحفنا الرسمية وستدهشك الإجابة.

إن موقف هؤلاء الرجال في مجتمعنا تجاه المرأة والنيل من كرامتها لم يعد نكتة يتداولها البعض عن الركب السوداء أو الملابس أو الجلافة.. إلخ، بل تجاوز ذلك ليكاد يكون ظاهرة وصلت إلى أن تنشر صحيفة كبيرة مقالاً معنوناً بما يصف السعوديات بالغباء والقبح!

ولو حدث ذلك في أميركا لأجبرت الصحيفة والكاتب على الاعتذار، وبخاصة أنها ليست المرة الأولى؛ فقد سبقها إلى ذلك صحيفة أخرى وكاتب وصف المرأة السعودية بأنها بقرة! ومر الأمر دون أن يبادر أحد ببيان فداحة تأثير هذا على المرأة السعودية، بل تنافست القنوات على استقباله وتوضيح رأيه ولماذا يرى بنت بلاده بقرة!

قد يقول قائل: إن السعوديات محجبات ومنقبات، فمن رآها هذا الكاتب لا تعدو أن تكون أمه أو أخته أو زوجته، فما لنا لو قال لنا عما شاهد وكان قبيحاً وغبيّاً أو حتى بقرة؟!

لكن الكاتب استخدم لفظاً يشير إلى نصف مجتمع كامل، ولو وصف زوجته لقلنا: ما لنا وله؟ لكنه استخدم ما نعرف به كنساء ننتمي إلى المملكة العربية السعودية، واستخدامه اقترن بالقبح والغباء، وهذا يشير إلى إساءة كبيرة لا يجب التغاضي عنها، وبخاصة أننا في زمن العولمة، والعالم أصبح قرية صغيرة، ولا يليق أن تتعرض امرأة من هذا الوطن لمثل هذا التحقير في وسيلة إعلامية رسمية.

ورغم أننا كسعوديات لسنا بحاجة إلى شهادة هؤلاء خصوصاً مع تكريم العالم للعالمات السعوديات بدءاً من أميركا وفرنسا وانتهاءً بما قاله مدير جامعة أدنبرة في المؤتمر العلمي للطلاب السعوديين عندما أشار إلى عقول بنات المملكة وإبداعهن في الرياضيات، وهم أناس لا يجاملون وخصوصاً في علوم كالطب والكيمياء.

كما أن شهادة مثل هؤلاء لا يعتد بها، ألا تراهم يرون نانسي عجرم جميلة الجميلات وهي التي اعترفت بـ28 عملية تجميل في وجهها فقط؟! وتلك المذيعة التي يكاد وجهها ينفجر من النفخ ألا تراهم قد صنعوا "رابطة قتلى خدود السليكون"، أو تلك التي نزعت عظاماً من حوضها ونحتت فكها ووضعت إصبعاً في فمها وهي ابنة 45 عاماً وقالوا عنها "ملكة الفتنة العربية"، إن مقاييس كهذه لا يعتد بها مطلقاً ولا بأصحابها، ويكفي السعوديات تاريخ من شهادة رجال حقيقيين بجمالهن العربي الأصيل، مثل دايم السيف أو السديري أو بدر بن عبدالمحسن.

إلا أن مثل هذه الكلمات وتلك النظرات هي عنف مستتر تأثيره أكبر من أن يستهان به ولا يقل عن العنف الجسدي، وبخاصة أن المرأة مخلوق رقيق تؤثر فيه الكلمة كما الضربة تماماً، والتعامل معها بإهانة وإساءة وصفته العرب سابقاً بأنه لؤم وصاحبه لئيم لما يحمله من تأثير سلبي قد يقلل من ثقتها بنفسها، وهو ما قد تنقله إلى أطفالها وأسرتها، فماذا نتوقع من امرأة تهان على صحيفة رسمية ومن كتّاب المفترض أن يكونوا مثقفين وواعين لحجم تأثير أقلامهم على المجتمع، وليس مجرد كتّاب يسوّقون لأنفسهم بمواضيع تستغل الجنس الأضعف؟