تلفت النظر هذه الحالة التطوعية الرائعة لدى شباب وشابات مدينة جدة تحديداً. في حادثتي السيول كان العشرات والعشرات ينذرون أنفسهم على مدار الساعة للإنقاذ والمعونة والمغامرة. وبالرغم مما كان يعترضهم من المعوقات إلا إنهم كانوا، ودون مقابل أو وجاهة، يحملون أرواحهم وينطلقون لأكثر الأماكن خطورة ودمارا، ليسحبوا يدا من سيل، أو ليمدوا برغيف ولحاف وشربة ماء، وليضعوا أكفهم بمسحة عزاء ومواساة على أكتاف الناس وقلوبهم المكسورة.
أحد هؤلاء الشباب الذين أطلقوا هذا الإنقاذ الشهم، في هاتين السنتين، هو الإنسان الرائع طراد الأسمري. طراد نفسه عاد في عام 2013 وأطلق مبادرة تطوعية عظيمة، تبناها بجهده الشخصي إلى جانب اثنين من أصدقائه. قام بالاتفاق مع شركة "بندة" للمواد الغذائية لرعاية برنامج "رحماء"، حيث يحصل البرنامج على خمسين في المائة من التبرعات وبواقي أنصاف الريالات، ويهدف هذا المشروع، الذي يحمل شعار "دع الباقي لهم" إلى سداد إيجارات منازل المعسرين من السجناء، وحتى الآن قام هذا البرنامج بسداد إيجارات ما يقرب من ستين أسرة، من مختلف مناطق المملكة، لسعوديين وغير سعوديين، ممن تنطبق عليهم معايير البرنامج.
طراد المعني بهموم المحتاجين، كان من أوائل من فتحوا الباب للحديث عن الفقر عبر فيلمه "راتبي ألف ريال" في عام 2008 ومنذ ذلك الحين، وجهوده التطوعية وتلمسه للمعوزين، تستحق كل الإشادة، بل وحتى في حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، ستجده قد خصص حسابه لهذا الهدف النبيل، مواجهاً بصوته وكدحه ما يعانيه الفقراء، ولعله رأى ويرى عن كثب وقرب مدى ما تعيشه كثير من البيوت من المأساة، التي لا ينكرها إلا فاسد أو منتفع.
من أثمن ما يقدمه نموذج، مثل طراد الأسمري، أنه يقدم عمل الخير التطوعي بمنطلقه الإنساني التكافلي والوطني البحت، دون أية مساومات أو اشتراطات، مبدأها فكرة أو منهاج أو طائفة. إنه عمل إنساني خالص ومجرد، يسعى لسد لقمة المعوزين وتأمين سكناهم، ومن يقف بتأمل عند هذا الرقم "سداد إيجارات منازل ستين أسرة من ذوي السجناء" سيعرف أي جهد حقيقي، ينفذه برنامج "رحماء". وعسى أن تبادر باقي الشركات إلى جانب "بندة" في دعم مثل هذه المبادرات التي تقيم تكافل المجتمع وترابطه وترأب صدوعه. كل احترامنا للشباب المتطوعين في بلدنا، احترامنا لمتطوعي جدة، واحترامنا يا طراد.