نقّلٍْ فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحبّ إلا للحبيب الأولِ

كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه دوماً لأول منزلِ

إن كنت ممن يعتبر الشعر حكمة فلا (تتوهّق) وتتخذ هيام الشعراء حِكَماً حياتية، فعلى كثرة ما يتردد هذا البيت الشهير مثلا إلا أنه مناف للواقع، فكثير من العشاق أحبوا مرارا وكل حب جَبَّ ما قبله وغسله بالماء والصابون فلم يعد له أثر. وإن كنتَ قد حفظتَ البيتين (ومتحسف عليهم) وتحب أن تستشهد بهما أحيانا استثمارا لمحفوظاتك، فتأوّل – يا أخا العرب – بالحق الذي لا ينازعه باطل، وأن الحبيب الأوّل الذي يبقى حبه ولا يمحوه حب ثان مهما عظم ولا قبائل من الأحبة مهما كثرت هو واحد لا شريك له - جل وعلا - حب الله وحده، ونقّل فؤادك حيث شئت من حب الناس و المباهج، فكل شيء عداه – سبحانه – باطل!

وهو الحب الأول الذي فطر الخلق على حبه، وتلمس الوجدانُ وجودَه قبل الرسالات، و لم يغنهم أحبابهم عن الاحتياج لحبه، والفرار إليه.

ولو تأملنا أسباب الضيق والكبد الذي يختنق فيه الناس لوجدنا أهم أسبابه التعلق بالبشر وما لدى البشر من حب وعطف ومال على حساب ما لديه سبحانه من خزائن السموات والأرض، فنغفل عن الحقيقة العظمى التي تطمئن النفوس وتجعل السكينة تغشاها، وبدلا من اللجوء إليه – جل وعلا – نلجأ لخلقه الذين لا يملكون لأنفسهم شيئا، ونشتكي الذي يرحم للذي لا يرحم، وكم خذلونا و أهدروا صدقنا على عنت كبرهم، وتحطمت آمالنا على صخور أنانيتهم، لكن الرحمن لم يخذلنا قط، ولم يتخل عنا أبدا، ولم ندعه إلا وهو القريب المجيب، ولم نستغفره إلا وهو الغفور الرحيم، فما أحوج فقرنا لغناه و ما أحوج ضعفنا لقوته، وما أغنانا به عن خلقه، وما أقوانا به على طغاتهم وفراعنتهم.

ولذا ما أجدر أن (نفرمت) ذاكرتنا ونخلصها من كل ما يوهمنا بحاجتنا للخلق ونملأها بحبّ الحبيب الأول لا شريك له، فهو الحب الذي لا يمحى، وهو سبحانه الحبيب الذي لا يهجر ولا يغدر ولا يخذل.