سعدت مساء ما قبل البارحة بلقاء طويل مع إخواني الكرام من وفد مجلس الشورى القادم إلى أبها في زيارة رسمية. ذهبت إليهم لأن غالبية الوفد إما أصدقاء بعثة دراسية أو زملاء وظيفة جامعية أو رفقاء مشواري مع الكتابة، أو حتى جيران سكن في هذا الحي "الشعبي" المتهالك الذي اكتشفت صدفة أنه قد دفع بثلاثة أحباب إلى قبة المجلس.

وأرجو ألا يتدخل الرقيب ليحذف حرفاً واحداً من بين أقواسي التالية وألا نزايد على حبي الجارف لهذا الوطن الذي ولدت منه وسأموت من أجله وحده. "قلت للصديق الغالي اللواء المتقاعد، محمد بن فيصل أبوساق وهو يسألني عن وقت المسافة ما بين منزلي والفندق: إنها المسافة ما بين "مقبرة المنسك" وبين وصولي إلى عالم وطني "المودرن" المتحدث. وأنا لن أقبل مطلقاً أن يكون في خريطة وطني جيب شارد، أو مستوطنة مهملة، أو ثلث مدينة مكتمل لم تصل إليه خدمات حكومتي إلا ما كان من البدهي من مدرسة أو مستوصف. ورسالتي اللغوية عن "الفوارق" ما بين المقبرة وبين وطني تكفي لأن يعرف هذا الوفد الكريم من المجلس الأعلى الموقر تأطيراً لمصطلح عدالة توزيع التنمية. وأنا لا أعني بهذا المصطلح حارتي المنسية، بل آلاف الحارات على خريطة وطني المكتملة. أما الوفد الكريم، آن لي أن أقول بوضوح وصراحة: كيف ستمر هذه الطفرة التنموية الهائلة في وطني فلا أراها أمام باب منزلي ولا في تفاصيل شوارعي "المجدورة". لا ألحظها في مدارس أولادي ولا أشاهدها في كل شيء من خدمات البنى التحتية في الأمن والماء والتعليم والصحة وكامل الخدمات البلدية التي حذفت ثلث مدينة سعودية جوهرية من الخريطة. قلت للوفد: ستشاهدون غداً كل "كذبة" مشاريع الورق ولكنكم لن تقفوا على القاع الاجتماعي من حياة الآلاف على هوامش هذه المدن الذين أصبح أغلى أحلامهم أن تتدخل "أماناتها" ولو لمجرد ردم الحفرة."