سبق وأن كتبت وسأستمر أكتب وجهة نظري الخاصة بأهمية إعادة فصل الصناعة عن وزارة التجارة. وأجزم بأن الثورة الصناعية بدأت في المملكة عندما قررت القيادة السعودية فصل الصناعة عن وزارة التجارة وإنشاء وزارة صناعة مستقلة وكان ذلك قراراً حكيماً وصائباً انطلقت به الصناعة على المستوى الذي وصلت إليه اليوم، ومع القرار التاريخي بإنشاء وزارة مستقلة باسم وزارة الصناعة وفقت القيادة السعودية في اختيار أول وزير صناعة لوزارة الصناعة المستقلة وهو أخي معالي الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- رجل المهمات الصعبة، استطاع خلال فترة وزارته أن يضع اللبنة الأساسية لصناعة البتروكيماويات، من خلال تأسيس شركة سابك العملاقة التي تصنف اليوم بأنها واحدة من كبريات الشركات العالمية في مجال صناعة البتروكيماويات. واستطاع الدكتور غازي أن يدفع صندوق التنمية الصناعي لأن يقود التنمية الصناعية، سواء للصناعات الأساسية أو الصناعات التحويلية، فازدهرت المدن الصناعية وعلى رأسها المدينتان العملاقتان للصناعات الأساسية الجبيل وينبع، وكانت وزارة الصناعة والكهرباء آنذاك، تقود شعلة التنمية الصناعية في المملكة.

وأجزم بأن ما نراه اليوم من تنمية صناعية هو من نتاج جهود وزارة الصناعة عندما كانت وزارة مستقلة بذاتها، وحسب آخر تقرير اقتصادي عن ارتفاع أعداد المصانع المنتجة في السعودية فقد وصل عدد المصانع المنتجة في السعودية إلى (5384) مصنعاً، باستثمارات تزيد على (450) بليون ريال بنهاية العام الماضي (2013) ويعمل بهذه المصانع أكثر من (310) آلاف موظف سعودي وأجنبي رجل وامرأة. وبلغت المساهمة النسبية بالأسعار الثابتة للقطاع الصناعي من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة حوالى (1,242) تريليون ريال تمثل نسبة 11,75% من الناتج القومي الإجمالي، فيما زادت قيمة مساهمة الصناعات التحويلية غير النفطية في الناتج المحلي من (142) بليون ريال عام (2012) إلى (149) بليون ريال في (2013)، بمعدل نمو بلغ 4.9% وزاد النمو في الطلب على الأراضي الصناعية بنسبة تزيد على 400% خلال الفترة من (2007) إلى (2013).

وحسب تصريح وزير التجارة والصناعة فإن المملكة تصدرت دول الخليج العربي في عدد المصانع وحجم الاستثمار الصناعي وعدد الفرص الوظيفية في القطاع الصناعي. وعدد المدن الصناعية وتمثل نسبة عدد المصانع السعودية إلى دول الخليج حوالى 39% من إجمالي المصانع القائمة في دول مجلس التعاون بنهاية عام (2013). كما نمت مساحة الأراضي المطورة بالمدن الصناعية لتصل إلى حوالى (163) مليون متر مربع مكتملة البنى التحتية الأساسية والخدمات المساندة. بمعدل نمو نسبته 15% مقارنة بعام (2013) تمثل (22) مدينة صناعية. وهناك خطط لمزيد من المدن الصناعية في بقية مدن المملكة، وذلك لاستقطاب استثمارات نوعية ذات قيمة مضافة للشركات المحلية والإقليمية والدولية.

هذه بعض الأرقام والإحصاءات الرسمية عن الصناعة في المملكة العربية السعودية والتي تؤكد أن خيار الاقتصاد السعودي في المستقبل هو صناعي وخدمي وأن الصناعات جديرة بأن تكون لها وزارة مستقلة توجه جميع خدماتها ونشاطها لخدمة الصناعة والصناعيين، بل إن الصناعة في الحقيقة هي أساس التجارة وهي في وجهة نظري المحرك الأساسي للتجارة، أما وزارة التجارة فمسؤولياتها كبيرة ومهامها عظيمة، وإذا استطاعت وزارة التجارة بوضعها الحالي أن تقوم بمسؤولياتها فهذا إنجاز كبير، فمهمتها في تنظيم التجارة الداخلية ومراقبة الأسواق والأسعار وضبط الجودة وضمان تأمين الاحتياجات الأساسية للغذاء والكساء والبناء والإشراف على الاتفاقات الدولية التجارية وغيرها، فهذا سيحقق الهدف الرئيس لعملها. أما إضافة مسؤوليات الصناعة لها فهو عمل ثقيل لا أعتقد أنها قادرة على أدائه بأكمل وجه أو كما نتطلع.

ومن هذا المنطلق أعيد طرح فكرة فصل مهام الصناعة عن وزارة التجارة، وإعادة وزارة الصناعة لتتولى مهام الصناعة خيارنا الاستراتيجي، ولا أتوقع أن قرار دمج وزارة الصناعة مع وزارة التجارة وراءه هدف خفض المصاريف، أو تماشياً مع قرار خليجي لدول مجلس التعاون الخليجي بغرض توحيد أسماء ومهام الوزارات المماثلة. وإذا كان قرار إعادة وزارة الصناعة شبه مستحيل فالاقتراح الثاني إنشاء مؤسسة عامة أو هيئة عامة للصناعات السعودية تتبع مباشرة لرئيس مجلس الوزراء ولها كافة الصلاحيات والمهام والمسؤووليات الخاصة بالصناعة. علما بأنه سبق وأن أوصى مجلس الشورى بفصل الصناعة عن وزارة التجارة.