مازلت حتى الآن أعيد ما قاله المستشرق الياباني نوبوأكي نوتوهارا، حينما كان يسأل في بعض الدول العربية عن شأن العلاقة ما بين اليابان والولايات المتحدة الأميركية، فالفرد العربي يسأل مستغرباً نوتوهارا، كيف بالله عليكم تتعاملون مع الولايات المتحدة وهي التي ضربتكم وسحقتكم بالقنابل الذرية؟ يقول نوتوهارا مترفعاً بسلوكه عن أي شحن أو شجن عاطفي، إن العرب بشكل عام ينتظرون من اليابانيين عداءً عميقاً للولايات المتحدة الأميركية، لأنها دمرت المدن اليابانية كافة، ولكن طرح المسألة على هذا النحو لا يؤدي إلى شيء. ويضيف: يجب علينا نحن اليابانيين أن نعي أخطاءنا في الحرب العالمية الثانية أولا، ثم أن نصحح هذه الأخطاء لأننا استعمرنا شعوباً آسيوية كثيرة ثانياً، وأخيراً علينا أن نتخلص من الأسباب التي أدت إلى القمع في اليابان وخارجها. ويعود فيقول إن المشكلة ليست في أن نكره أميركا أم لا؟ المشكلة في أن نعرف دورنا بصورة صحيحة، ثم أن نمارس نقداً ذاتياً بلا مجاملة لأنفسنا، بعدئذ نختار الطريق الذي يصحح الانحراف ويمنع تكراره في المستقبل. أما المشاعر وحدها فإنها مسألة شخصية محدودة لا تصنع مستقبلاً (تمعن عزيزي القارئ في هذه العبارة لأنه بمجرد فهمك لها، ستحل مشاكل كثيرة في حياتك بشكل عام)، ويكمل نوبوأكي قائلاً: ومن هذا الموقع نفهم مأساة هيروشيما وناجاسكي، ونفهم علاقتنا مع العالم. نحن اليابانيين نفهم إلقاء القنبلة الذرية على مدننا مقترناً بأخطائنا التي ارتكبناها في الحرب العالمية الثانية وقبلها. رغم أننا نحمل في مشاعرنا وتفكيرنا الكراهية الأشد للقنابل النووية، واليابانيون أكثر شعب في العالم ينتقد السلاح النووي ويكرهه ويدعو إلى التخلص منه. لقد دفعنا الثمن وبقيت لنا مشاعر الحزن والمرارة، ولكننا نجحنا إلى حد مقبول في تصحيح أخطائنا في هذا المجال.

لا توجد صراحة ومكاشفة أكثر من ذلك، وعليك أن تعرف الآن الخلطة السرية التي استخدمها الشعب الياباني لكي يصل بإنجازاته إلى أعلى مستوى، لأنه في أول الأمر تخلص من عقدة الكراهية التي كانت من الممكن أن تكون عائقاً كبيراً في تقدمه التقني والعملي، لقد جرد الياباني مشاعره من كل الشوائب، واعترف أنه أيضاً أخطأ في حق الشعوب الأخرى، وأن ما حدث لهُ لم يأت دون وجود أسباب حقيقية.

تذكرت كل ما قاله المستشرق العظيم في مسألة التخلص من الكراهية، وأنا أجلس مع إحدى الصديقات وهي تعمل كممرضة في مستشفى التخصصي في الرياض، كانت الصديقة حزينة بعض الشيء، وحينما سألتها عن سبب الحزن الذي بدا جلياً على مشاعرها، أجابتني بأن عددا من زميلات عملها وهن من الجنسيات العربية، يتحدثن أمامها بكل "وقاحة" عن غضبهن بسبب إقبال إدارة المستشفى على تعيين ممرضات سعوديات خريجات، ومن وجهة نظرهن فإن الممرضة السعودية لا تستحق الوظيفة خصوصاً أنها ذات امتيازات جيدة، وأنه من الأفضل حتى يصل المستشفى إلى أفضل تقييم، أن تقوم الإدارة بتوظيف ممرضات من خارج المملكة.

ربما يتساءل البعض عن الربط ما بين حزن الصديقة وبين ما قاله المستشرق الياباني، أنني أتكلم من جانب "الكراهية" وهي العقدة التي تعاني منها بعض الشعوب العربية تجاه مثيلاتها من الدول، وعلى الرغم من أن البعض لا يزال يعمل في وطن غير وطنه، ويعيش في رفاهية يُحسد عليها، إلا أنه لا يتمنى لأبناء وبنات هذا الوطن أن يستثمروا ذات النجاح ويعيشوا ذات الرفاهية، بل إنهم وبكل وقاحة وجرأة يطالبون بعدم توظيف أبناء وبنات الوطن، وأن إدارة المستشفى تقترف خطأ كبيراً في استثمارها لموارد الوطن البشرية، وتعينهم على التقدم في حياتهم المهنية من حيث حصولهم على الدورات الخارجية والبعثات التطويرية.

مشكلتنا نحن العرب لا يمكن لنا أن نتخلص من الكراهية التي تملأ قلوبنا، وهذا ما يجعلنا دائماً نقف في آخر الركب، فنحن لا نعمل بقدر ما نتكلم ونثرثر، ونجتهد في التفكير في الهدم لا في البناء والإعمار، وأحاديث الممرضات العربيات يقودني إلى بعض العاملين في القطاع الإعلامي، حينما قام مدير قناة العربية الإخبارية الأستاذ عبدالرحمن الراشد، بتوظيف عدد كبير من شباب الوطن في القناة، وقد تناهى إلى مسامعي أن الكثير من الموظفين استاؤوا من هذا الأمر، على الرغم من أن ملاك مجموعة الـMBC سعوديون، مما يعني أن الأمر لا يبدو مثيراً للدهشة، وأن ما قام به الراشد يعتبر نظرة تطلعية عميقة وإيجابية، مدركاً من خلال ما قام به أهمية استثمار كفاءة الشباب، وإعطاءهم فرصة ثمينة للخروج من إطار المحلية إلى الإقليمية، والاستفادة من تجارب الآخرين الذين يفوقونهم خبرة ومهنية، ومن وجهة نظري فإن الشباب لو اكتفوا فقط بالاحتكاك بالخبرات الموجودة في القناة، فهذا يعتبر إنجازا كبيرا في سجلهم المهني.

أما فيما يتعلق بوضع الممرضات السعوديات فأنا أتمنى منهن العمل بجدية أكثر، وعدم إظهار عدم الرضا أو الشكوى من ساعات العمل، وعليهن يقع العطاء بإيجايبة والتفكير في المستقبل القادم، والمنافسة الصحيحة مع زميلاتهن الأجنبيات واكتساب الخبرة ليصبحن الأفضل، فنحن بحاجة إليهن أكثر مما هن يتخيلن.