أكد المشاركون في حلقة نقاش خصصت لتحديد آليات رسم خارطة الحجرة النبوية في المدينة أول من أمس، على أن "الغموض" الذي اكتنف موقع الحجرة الشريفة في المسجد النبوي وضعف المؤلفات التاريخية المحققة بشأنها، وعدم وجود خارطة معتمدة من جهات علمية جعل منها "مضرباً للتهويل والقصص المحرفة التي دارت حولها والمعلومات المغلوطة في تكوينها وعمارتها"، مطالبين بتدخل الجهات المعنية بالسيرة النبوية والآثار بـ"حماية الحجرات من الزيف الذي نسب إليها".

وأعلن المشاركون في "حلقة النقاش حول حجرات النبي"، التي نظمتها دارة الملك عبدالعزيز، بالتعاون مع مركز بحوث ودراسات المدينة، ضمن مشروعها "الأطلس التاريخي للسيرة النبوية"، عن تشكيل لجنة مكونة من 120 باحثاً ستنتهي قريباً من رسم المخطط المعتمد للحجرة النبوية الشريفة بإشراف الدارة لتبدأ المرحلة الثانية بجمع المؤلفات والمخططات (الرسومات) غير الدقيقة المنتشرة والتخلص منها على مراحل، وتحقيق وتصحيح ما ورد ببعض ما نسب للحجرة وعمارتها وتكوينها من أخطاء في المؤلفات القديمة والحديثة، معتمدين على ما تمتلكه الدارة ومركز بحوث المدينة من وثائق ومخطوطات قديمة ونادرة لتصحيح كل ما يتعلق بالحجرات النبوية الشريفة.

وأوضح الباحث بتاريخ المدينة مدير الحوار الدكتور محمد فارس الجميل أن من بين المشاركين في رسم الخارطة الجديدة للحجرة النبوية في المسجد النبوي مؤرخين وعلماء من داخل المملكة وخارجها وأنها تشكلت من حيث المكان ثلاث لجان علمية؛ الأولى في المدينة المنورة ومقرها الجامعة الإسلامية، والثانية في مكة المكرمة ومقرها جامعة أم القرى، والثالثة تجمع آراء باقي المؤرخين والباحثين والمهندسين المعماريين والمهتمين في التراث العمراني القديم ممن تم اختيارهم من المدن الأخرى، مبيناً أن اللجان ستبدأ أعمالها قريبا، وأن جميع ما سيتم رصده في هذا الحوار والمناقشات والمداخلات سيتم رفعه للجنة العليا لحفظه وتوثيقه، كما أن المرحلة الأخيرة في إنزال الإحداثيات ورسم الخريطة النهائية ستقتصر على المشاركين من المدينة كونهم الأعرف ببيئة المدينة المنورة وجغرافيتها وتراثها القديم كونهم الأقرب للوصول لأقرب تصور للحجرات بناء على قربهم المكاني والجغرافي منها، مؤكداً أن اللجنة لن تقتصر على الجوانب المعمارية بل جميع ما كتب وروي عن الحجرات وما يدور حولها لحفظ تاريخها.

وأثناء تبادل الباحثين والمؤرخين من الحضور على المنبر، شكك الباحث فهد البخاري -أحد حضور الحلقة- بالقصة الذي تناقلتها كتب التاريخ عن محاولة سرقة الجسد الشريف من الحجرة النبوية والتي نسبها عدد من المؤرخين للسلطان الصالح "نور الدين" في القرن السادس الهجري والذي قادته رؤيا منام ليهوديين كان قد قدما المدينة بهيئة طالبي علم بالمسجد النبوي وقاما بحفر سرداب للوصول لأرض الحجرة بقصد نقل (سرقة) الجسد الشريف، مبيناً أنه بعد تتبع لهذه القصة وجد أن أول من أرودها هو أحمد محمد المطري، وعنه نقل مؤرخ المدينة "السمهمودي" ونقلت أكثر المؤلفات التاريخية عن السمهودي هذه القصة، مشيراً إلى أن جميع القرائن التاريخية والأسانيد العلمية تضعف تلك الرواية، مستدلاً على أحادية السند المنقولة عنه، كما أن المؤرخين والمصنفين في عهد السلطان "نور الدين"، مثل ابن الكثير وابن الباهلي وغيرهما لم يذكرها، وذكرها المطري الذي جاء بعدهم بعقود، كما أن سكوت المصنفات العلمية والفقهية عنها دليل على بطلانها.

بدوره، أكد عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة وأحد حضور حلقة النقاش الدكتور سليمان الرحيلي، أن المؤرخين وحدهم لن يستطيعوا الوصول لرسم الحجرات النبوية بالصورة الأقرب لوضعها في صدر الإسلام وأنه لا بد من إشراك المعماريين ومهندسي البناء للوصول لأقرب تصور للحجرات وطالب بإدخال المعماريين والمهندسين والمهتمين بآثار المدينة والعارفين لطبعتها ومناخها للمشاركة للوصول لأقرب خارطة مرسومة للحجرات.

وشدد على ضرورة جمع الخرائط والمخططات التي رسمت للحجرة بغير الأوجه العلمية، وانتشرت بين الناس وإتلافها وتوزيع المخطط الذي ستنتهي إليه اللجان بشكل موسع.

وجاء في مشاركة المهندس المعماري عبدالحق بشير العقبي، أن المعماريين المسلمين اهتموا بعمارة الروضة الشريفة، مؤكداً أنه يجب أن يركز الباحثون على الشكل المعماري للحجرات. أما الباحث وعضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية محمود أبومايلة فدعا الحاضرين إلى أن "لا يتناسوا" معاني الحجرات وقيمتها الدينية.

يذكر أن دارة الملك عبدالعزيز ومركز بحوث المدينة يعملان حالياً ضمن مشروع الأطلس التاريخي للسيرة النبوية بالمدينة المنورة، على الانتهاء من أطلس تاريخي لجميع مواقع المدينة المنورة ومواقعها الأثرية، بداية من المسجد النبوي الشريف ومكوناته.