أكتب هذا المقال ابتهاجاً بتدشين الأمير خالد بن بندر بن عبدالعزيز مشروع النقل العام الضخم، الذي سيزيد وجه الرياض بهاء.. وقد كتبت هنا في ذات الجريدة في 30 سبتمبر 2010 مقالاً بعنوان "حتى يزداد وجه الرياض بهاءً"، قلت فيه إن الرياض في كل الأحوال ستظل رمز القوة ورمز الوحدة وعاصمة بلادنا الحبيبة، وستظل حبيبة قلوبنا نعشقها عشق الوطن ولا يشوه وجهها المضيء دائماً أي نقص.. وقلت في ذات المقال إن حل مشكلة الاختناقات المرورية والزحام المؤذي خلال فترات الذروة سيزيد وجه الرياض بهاءً.. والرياض، المدينة العاشقة المعشوقة كما نعلم جميعاً شهدت انطلاقة ما يقوله المؤرخون إنه أنصع فصل في التاريخ العربي. وقد حباها الله بميزات كثيرة يطول الحديث فيها عن ما أحدثَه فيها عاشقها وعاشقته، أميرها سلمان بن عبدالعزيز.. وها هو يكمل مسيرته وعلى خطاه أميرها النبيل خالد بن بندر حتى تظل هذه المدينة في المستوى الذي يليق بها وبنا.. والذين يغيبون عن الرياض ويأتون إليها بعد فترة من الزمن يلحظون كل مرة أن وجه الرياض قد ازداد حسناً وبهاء.. وقد شهد بذلك بعض الوفود الذين رافقتهم أثناء عملي الرسمي.. هذه حقائق ماثلة للعيان وليس هناك أصدق من حديث تدعمه الشواهد والأدلة على أرض الواقع لكل من يزور مدينة الرياض.
ونتيجة لكل المميزات التي تتمتع بها مدينة الرياض أصبحت مقصداً، وبات يحلو لكثيرين الانتقال إليها والعيش فيها مما أدى إلى زيادة كبيرة في عدد سكانها وترتب على ذلك أن أصبحت من أكثر مدن المملكة كثافة سكانية وأكثرها ازدحاماً، وأصبح الانتقال والسير في طرقها الرئيسية يشكل صعوبة. وها هو يأتي مشروع النقل العام العظيم لبنة متميزة في البناء الشامخ في هذا الوطن الكريم.. ومكملاً لمشروعات عملاقة شهدتها الرياض تتمثل في الجسور واستكمال الخطوط الدائرية مما يجعل التحرك في المدينة سلساً وسهلاً... وبطبيعة الحال إن الازدحام في الطرق الرئيسية المعروفة له أسباب واضحة منها:
1- تزايد أعداد قاطني المدينة الذي فاق التوقع.
2- تمركز الخدمات الحكومية والخدمات الخاصة مثل الأسواق والمستشفيات في مناطق محددة.
3- عدم وجود النقل العام الذي أصبح وجوده أمراً حتمياً.
4- تميز بعض الأماكن الخاصة.
وقد وضع الأمير بندر بن خالد يده على الحل الذي سيقضي على هذه المشكلة، لكننا نرى أنه يجب الأخذ في الاعتبار المجموعة الأخرى من العوامل حتى تقوم الحلول "ومنها حل مشكلة النقل العام" بالقضاء على المشكلة التي أفرزتها مجموعة من الإشكالات تمثلت فيما يأتي:
أولاً: لعل من أسباب زيادة عدد السكان الذي أبنيه على الملاحظة وليس على نتيجة علمية أن القادمين لمدينة الرياض للدراسة أو التدريب من المدن الصغيرة أو القرى، أي أن العيش في مدينة الرياض يطيب لهم بسبب توفر الوظيفة لهم بسهولة وبسبب حياة المدينة التي يفضلها البعض على حياة القرية، ومع أن عدد الجامعات قد ازداد وانتشرت ولله الحمد في معظم المدن والمحافظات إلا أننا نرى أنه لا بد من افتتاح فروع لمعاهد وكليات ومراكز التدريب في المناطق، مثل معهد الإدارة ومراكز التدريب العسكرية والصحية وعدم اقتصارها على المدن الكبرى لضمان توفير التدريب لأبناء تلك المناطق، مما يوفر الفرص الدراسية لأبنائها للدراسة والعمل في مناطقهم لأنهم في الغالب الأعم عند انتقالهم إلى المدن الكبيرة للتدرب لا يعودون لقراهم ومدنهم الصغيرة، حيث تحلو لهم حياة المدينة الكبيرة. وهذا قد يخفف النزوح من القرى والمدن الصغيرة إلى المدن الكبيرة.
ثانياً: قد يكون وجود الوزارات والإدارات الحكومية في شارع واحد أو جهة واحدة من المدينة مدعاة للزحام.. ولهذا قد يكون من المناسب إخراج الخدمات الحكومية إلى منطقة جانبية من المدينة.. وفي ذلك تخفيف كبير على حركة السير داخل المدينة وتسهيل إنهاء إجراءات المراجع، خصوصاً إذا احتاج الأمر أن ينتقل من وزارة إلى أخرى أو من إدارة إلى أخرى لأنه لن يستخدم السيارة داخل المدينة. كما أن توسعة المستشفيات الصغيرة ورفع مستوى خدمات المراكز الصحية ووجود أماكن التسوق خارج مركز المدينة أو على الشوارع الرئيسية يخفف الحركة وسطها وعلى شوارعها الرئيسية.
ثالثاً: تميز الخدمات الصحية في المدن الكبيرة يجعل الجميع يتجه إليها. وعمل مستشفيات متخصصة في المدن الصغيرة وفي المنتجعات لا يجعل الاقتصار في ارتيادها على سكان تلك المدن بل وحتى سكان المدن الكبيرة يذهبون إليها للاستشفاء وبعدها النقاهة في أماكن يلفها الهدوء وتحيط بها سهولة الحركة وتكتنفها الراحة. تماماً كما في بعض الدول التي تشتهر بمراكزها الصحية المتقدمة التي نراها في منتجع أو في مدينة صغيرة.
لكن في كل الأحوال فإن النقل العام الذي تم تدشينه من قبل أمير الرياض والذي أصبح ضرورة ملحة للمدن الكبيرة مثل مدينة الرياض سيكون له دور كبير جداً في القضاء على مشكلة الزحام. لأن اقتصار التنقل بالسيارات الخاصة أو وسائل النقل المتاحة حالياً لا يفي بالغرض. انظروا إلى السيارات التي تسير بجانبكم. ترون سيارات من الحجم الكبير تتسع لسبعة أو تسعة ركاب أو أكثر أو أقل ويستقلها راكب واحد. وهذا يشكل زحاما بل وهدراً. النقل العام سيتحول مع مرور الزمن إلى ثقافة بحيث نرى حتى أصحاب الوظائف المتوسطة وفيما بعد الكبيرة يستقلونه تماماً كما في الدول التي سبقتنا إليه. هذه حقيقة. قد يكون في عمل الجسور والأنفاق حل جزئي أو تخفيف للمشكلة لكنه لا يقضي عليها مع تنامي أعداد السكان في المدن الكبيرة.
وخلاصة القول، شكراً أمير الرياض على هذه الهدية القيمة لأبناء الرياض وقاطنيها.. الرياض رمز القوة ورمز الوحدة وعاصمة بلادنا الحبيبة ستظل حبيبة قلوبنا نعشقها عشق الوطن ولا يشوب وجهها المضيء دائماً أي نقص ولكنها خواطر من أحد العاشقين لمعشوقته، التي يحتفي بازدياد وجهها بهاءً وحسناً وضياء. ودامت الرياض رمزاً وعزاً ووفق الله عاشقها وأميرها في كل خطوة يخطوها.