حين تخط الأقلام بمدادها، وتفتح الصفحات أبواب التاريخ، ويشرع العقل آفاقه، يدلف إلى الأفق رجل جاد الزمان به ولم يجد بأمثاله. فزهو وفخر، وتوق إلى الهامة السامقة التي يتطلع إليها العالم دوما وأبدا بإجلال وتقدير. فعلٌ وتفعيل في حراك مستمر داخليا وخارجيا، جعلت العالم يعيد النظر فيما كان يخطط له ويدبر! فيبرز دور المملكة، وتكون محوراً فعالاً في صنع القرار العالمي في زمن كاد العالم العربي أن تتفتق أوصاله وتتناثر! استقرت المملكة في قمة توهجها الإقليمي والعالمي، وأُحبِط دور لم يكن خفيا على ساسة العالم وكتابه ومنظريه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى احتفظ المواطن السعودي على الصعيد الداخلي بأمنه وأمانه واستقراره، وازدهار مشروعاته، وخطط مستقبله. ومشروعات تنموية، حتى أصبحت المملكة مشاركة في قمم العشرين التي عقدت في واشنطن ولندن وغيرهما.

فمنذ أن بايع الشعب السعودي قائد المسيرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في شهر جمادى الآخرة من عام 1426هـ على السمع والطاعة والإخلاص والولاء في السراء والضراء، ليلتفوا صفاً واحداً مع قادتهم لبناء دولتهم وحمايتها بالتلاحم حول كلمة واحدة وحول مليكها الأب الحاني، وصون ثراها الطاهر، وهو يرى تلك الخُطى الثابتة التي تتفتق زهورها على غير استئذان.

لقد تحقق لشعب المملكة العربية السعودية في عهد جلالته خلال السنوات التسع الماضية ما لم يتحقق في سنوات طوال مضت، ومنها على سبيل المثال إغلاق ملف الحدود الذي طالما أخذ جهدا وزمنا من التوتر والدراسات، حتى بات ملفا مغلقا. ثم إن مشروع المدن الاقتصادية من أهم المشاريع التنموية على الإطلاق، مثل مشروع مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ، ومدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد في حائل، ثم المدينة الاقتصادية في جازان، بالإضافة إلى مدينة المعرفة الاقتصادية وغير ذلك من المدن التي تعتمد على المعمار الهندسي الرائع من ناحية الشكل، وتعتمد على الخبرات والعلم والتقنية من ناحية المضمون، مما يعود على المواطن بالتطور والإحساس بالتقدم العلمي والتقني ومواكبة الركب العالمي في التطور، وهذا له أثر نفسي أيضا حينما يشعر أنه على قائمة دول العالم تطورا وتقدماً ورفاهية.

وفي خضم الأزمة الاقتصادية والبطالة التي يعاني منها العالم بأسره جاء قرار السعودة، فانفرجت نافذة الضيق التي كان يشعر بها المواطن وخاصة الشباب منهم حتى إن أغلب الخريجين بات في عمله وسيلحق به أمثالهم في ظل هذا التطور والوعي إذا ما اتسعت صدور شبابنا الوثاب إلى أفق أعلى وأرحب.

إن دور الوعي بأهمية التعليم والذي نرى تحدره في أغلب البلدان العربية، لم يغب عن أعين الملك عبدالله، فاتجهت المملكة العربية السعودية إلى الاهتمام بالتعليم وخاصة بعد تعيين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وتوليه زمام أمور التعليم وتقلده منصب وزير التعليم، هذا الأمير الشاعر المثقف الحريص على أبناء وطنه والذي ننتظر منه الكثير في تطوير التعليم وأسسه ومناهجه، لكي يواكب التطور العالمي والفكري فيما يزخر به العالم من معارف تحتاج إلى التفكير المنهجي وليس القائم على الحفظ والتكرار. كما أن جلالة الملك حفظه الله قد اهتم بالجامعات الخاصة منها والحكومية، حتى باتت تنافس أكبر الجامعات في العالم، فكان ملف التعليم العالي يحرص على المنهجية البحثية من خلال إنشاء الجامعات المتخصصة لتشجيع البحوث العلمية والنشر العلمي، ثم كان للبعثات الخارجية دور فعال في أمور كثيرة ليس على مستوى التحصيل العلمي فحسب، وإنما لإدماج العقول الشابة في طرق التفكير العلمي ونقل الحضارات وأسس التعايش وإرساء القيم ونقل ما هو ملائم لبيئتنا وحضارتنا أيضا، ولم يقتصر الأمر على جنس بعينه في عهد جلالته حينما كان العالم بأسره ينظر ويتابع حال المرأة في المملكة -في ضوء ما يصوره الحاقدون عن استقرار بلادنا والمطبلون في صفوف الرقصات الشيطانية- فكان قرار تمكين المرأة وعملها ومشاركتها في مجلس الشورى قرارا حكيما من جلالته، حتى سمي هذا العصر في عهده -حفظه الله- بالعصر الذهبي للمرأة السعودية من وجهة نظري ومن وجهة نظر كثير من المحللين والمفكرين.

لم يكن حفظه الله بغافل عن حاجات مواطني هذا الوطن، فلا ننسى قراره الصادر عام 1431هـ بدعم صندوق التنمية بما يقرب من أربعين ألف مليون ريال لتسهيل القروض، وإعفاء المتوفين من سداد أقساط القروض، حرصا منه حفظه الله على من يعولهم المتوفى وعجزهم عن السداد إذا ما أصاب عائلهم مكروه وافتقده ذووه، فكان أبا رحيما وقلبا عطوفا شغوفا بمن حلت بهم نوائب الدهر ومصائبه، إضافة إلى رفع رأس مال بنك التسليف، لمن أراد عونا لتسهيل أمور المعيشة في هذا الوطن الغالي.

وحينما استشرى الفساد في بعض المؤسسات الحكومية، أصدر حفظه الله أوامره في محاربة الفساد مدعوما بآلية التنفيذ، فأنشأ "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" التي ترتبط به مباشرة حفظه الله.

وحينما قامت الدنيا ولم تقعد إبان الثورات العربية، وتفشي الانفلات الأخلاقي تجاه الشخصيات الكاريزمية، والتي كانت مدعومة بالنظريات الغربية في كسر الكاريزما التي تبناها شباب مغرر به، أصدر حفظه الله قراره بعدم المساس بهذه الشخصيات من علماء ومشايخ ومفكرين وأساتذة وأصحاب المقامات العلمية، لكي نحافظ على إرث ورثناه في قيمنا وديننا وتراثنا بداية من الأب مرورا بالمعلم انتهاء بعلمائنا ومشايخنا، امتدادا لإرث راق ومنهج مدرسي مشرف متبع الأجداد بتقدير الكبير واحترامه والعطف على الصغير. ومن هنا أصبحت المملكة العربية السعودية لاعبا محوريا في مجالات متعددة سياسياً واقتصادياً من خلال مسيرة إصلاحية حافلة. حفظ الله جلالته وأدامه عزاً وذخراً لوطننا الحبيب..