بدأت أتأكد أن مسؤولينا في الوزارات الموقرة إما أنهم يعيشون في أبراج عاجية لا يعرفون من الحياة سوى ما يُدار في مكاتبهم أو أنهم لا يعرفون شيئا عن الواقع الذي يعيشه الشارع السعودي، وأتساءل: هل أبتسم أم أسخر بعد قراءة خبر وزارة العمل الذي تناقلته الصحف منذ أيام عبر تصريح وكيل وزارتها للسياسات العمالية أحمد الحميدان، والمتمثل في مطالبة الوزارة برفع ساعات العمل في القطاع الحكومي للموظفين إلى 40 ساعة، حتى يكون مساويا لعدد ساعات العمل في القطاع الخاص، وبحسب ما تم تناقله عنه أن الطلب الآن أصبح لدى الجهات المختصة المعنية لاتخاذ القرارات النهائية في هذا الجانب!

وبصدق لست معترضة على القرار لو طُبق فيه العدل الكامل في المساواة، ولكني معترضة على أسلوب الالتواء الذي اتبعته وزارة العمل! إذ يبدو أنها مهمومة جدا بالقطاع الخاص مما جعلها تتناسى بل تتعامى قصدا عن حقوق الموظفين الحكوميين ولا تتذكر إلا ما يتوجب عليهم للمساواة بزملائهم بحجة تقليص الامتيازات في الدوام التي يتمتع بها! فما دامت وزارة العمل ومسؤولوها الموقرون مهمومين إلى هذه الدرجة بتحقيق المساواة بين القطاعين، فإن عليهم أن يحققوها كاملة وليس أخذ ما يناسبهم وترك ما لا يناسبهم! ألا تعرف الوزارة أن موظفي القطاع الخاص يتمتعون ببدل السكن ويتمتعون بتأمين صحي شامل لهم ولأسرهم، بينما الموظف الحكومي يفتقد هذه الميزات في ظلّ رواتب متواضعة لا تكفي الحاجة! حتى إن بعض الموظفين الحكوميين من ذوي المراتب الدنيا باتوا يعملون أعمالا أخرى خارج الدوام، كسائقي تاكسي حتى يستطيعوا كفاية أسرهم!

وأتساءل هنا: ما موقف وزارة العمل المهمومة بالقطاع الخاص من ذلك!؟ وهل رفعت طلبا بمساواة الموظفين الحكوميين مع زملائهم في القطاع الخاص للتمتع بالتأمين الصحي وبدل السكن مثلهم!؟ ثم هل تمزح وزارة العمل بأن الامتياز الذي يبحث عنه موظفو القطاع الخاص في القطاع الحكومي يتمثل في عدد ساعات العمل الأقل!؟ يبدو أن وزارة العمل تهرب من الحقيقة والمتمثلة في أن الامتياز الذي يتمتع به القطاع الحكومي هو الأمان الوظيفي الذي يفتقده موظفو القطاع الخاص! فهذا هو السبب الرئيس الذي يجعلهم يبحثون عن وظائف حكومية ويتخلون عن بدل السكن والتأمين الصحي ويتركون القطاع الخاص، ناهيكم عن الرواتب الضئيلة للوظائف البسيطة! وليت وزارة العمل تُجهد نفسها قليلا في تطوير القطاع الخاص، وأضرب لها مثلا في ضرورة تطويرها لوظائف حراس الأمن الذين نراهم في كل مكان يقفون في البرد والحر والليل والنهار دون أن تكون معهم وسائل أمنية تحميهم ودون أن يتمتعوا بتدريب يتناسب مع عملهم وببدل خطر ودون أن يتمتعوا برواتب "آدمية" تتناسب مع وظائفهم التي تعتبر ذات أهمية كبرى!

أخيرا يا مسؤولي وزارة العمل "تكفون لا تمزحون مزح ثقيل" مع الموظفين الحكوميين! وباختصار ما دمتم تطالبون بهذه المساواة بينهم في ساعات العمل مع أقرانهم بالقطاع الخاص، فطالبوا بمساواتهم أيضا في حصولهم على التأمين الصحي وبدل السكن إن كنتم جادين فعلا في المساواة!