قبل الميلاد كِيلت إلى "كريموسيوس كوردو"، الذي كان يدافع عن حرية التعبير، تهم أفضت إلى أن أصدر مجلس الشيوخ قرارا يقضي بحرق جميع مؤلفاته. يقول الكاتب الإيطالي ماريو إنفليزي: "بعد ذلك بألفي عام تقريبا اشتعلت محرقة أخرى، ففي 10 مايو عام 1933 التهمت النيران، أمام جامعة برلين، مؤلفات الكتاب الليبراليين والديموقراطيين؛ كي يصير واضحا أن النازية في ألمانيا لا تسعى إلى إحكام قبضتها على المؤسسات فحسب، بل إلى التغلغل في أعماق النفوس أيضا". ورد هذا في الصفحة الأولى من كتاب ماريو إنفليزي "الكتب الممنوعة"، الصادر عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، "كلمة"، عام 2011، ونقلته إلى العربية وفاء عبدالرؤوف البيه.

الكتاب غني جدا ويستعرض تاريخ الرقابة، وعلائقها ما بين الكنيسة والدولة، مرورا بقوائم لكتب ممنوعة، التفتيش والقمع، القراءة والرقابة الشعبية، سيادة رقابة الدولة، وصولا إلى عصر التنوير والرقابة وحرية الطباعة، إلى الكثير من الأحداث التي شهدتها حركة الكتب والرقابة والمنع في إيطاليا وإسبانيا وإنجلترا وفرنسا.. إلخ. في الصفحة 70: "فقد نصت التوجيهات الرومانية على أنه "من غير المسموح بأي طريقة كانت، التحدث بشكل سيئ أو مخجل عن الرهبان والقساوسة، ورؤساء ورئيسات الأديرة، ورؤساء الأبراشيات والكهنة والأساقفة، أو عن موضوعات أخرى مقدسة".

من المفارقات التي تصادفك وأنت تقرأ هذا الكتاب، هو إشارة المؤلف إلى نشاط اليسوعي "فرانشيسكو أنطونيو زكريا"، "مؤلف أول تاريخ عام للرقابة على الكتب في عام 1777 "التاريخ الجدلي لحظر الكتب"، الذي صار أداة للصراع ضد التنوير، والكتب التي تسعى لنشر مبادئه". وينقل ماريو من هذا الكتاب: "إنه تاريخ بالغ الأهمية ـ ذكر في المقدمة ـ كنا نفتقده حول الحظر، لكنه تاريخ جدلي، تتضح فيه الضرورة القصوى لنزع الكتب التي تخص أيا من المعارف غير القويمة من أيدي المؤمنين، وفي وجه جعجعة السياسيين الزائفين، والملحدين، وغير المخلصين للكنيسة، يتأكد بجلاء الحق السامي لها، الذي نالته من المسيح، في حظر مؤلفاتهم". يضيف ماريو: "كان زكريا سابقا لأفكار ومشاعر، كان من المقدر لها أن تحظى بانتشار واسع منذ ذلك الوقت فصاعدا داخل الأوساط الكنسية، وأن تصير نواة اتجاه كاثوليكي رجعي، امتد طوال القرن التاسع عشر".

في السعودية أيضا، وفي العام 1988 صدر أحد الكتب الشبيهة، الذي دشن الصراع والتكفير والرجعية، جاعلا من معاييره ونوايا تأويلاته الشخصية ميزانا. يمكن ملاحظة أن كتابا كهذا صدر بعد أكثر من قرنين منذ كتاب زكريا!.