احتفل العالم في السادس والعشرين من الشهر المنصرم باليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية، ففي العاصمة السويسرية جنيف تقع المنظمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية (WIPO) في مبنى أنيق وجميل، ولها جهود مميزة في تسجيل براءات الاختراع وغيرها في مجال الملكية الفكرية، وبما أنها إحدى المنظمات التابعة لهيئة الأمم المتحدة، فإنها تستمد قوانينها من مواد "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" الصادر عام 1948.

أنشئت هذه المنظمة عام 1976 وانضمت إليها المملكة العربية السعودية عام 1982، وتقدم المنظمة نفسها بأنها "المحفل الدولي للخدمات والسياسة العامة والمعلومات والتعاون في مجال الملكية الفكرية"، ونظمت (WIPO) حلقة عمل مع حكومة المملكة عام 2004 في "إستوكهولم"، جاء فيها ابتداءً أن المملكة العربية السعودية ترعى حقوق الملكية الفكرية "بموجب المرسوم الملكي رقم م/11، الذي يعدّ الركن الأساسي لحماية حق المؤلف والحقوق المجاورة في المملكة. وتنص المادة 18 من المرسوم على حماية المصنفات والحقوق المجاورة إذا كان الموضوع المحمي قد تم نشره أو تمت تأديته للمرة الأولى في المملكة أو إذا كان مؤلفه مواطناً سعودياً"، وقد أشارت حلقة عمل (WIPO) الوطنية للقضاة أن المرسوم يمنح حماية المصنفات المشمولة بحق المؤلف وفقاً للاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وقعتها المملكة. وتؤكد الحلقة أن حماية حقوق المؤلف تقوم على القانون الوطني، وتتاح حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة في المملكة العربية السعودية على التشريع الوطني كما في سائر البلدان.

ومن واقع اهتمام شخصي بالموضوع أحاول الوقوف على أهمية الملكية الفكرية، وزاد هذا الاهتمام بعد إعادة نشر أحد مقالاتي باعتباره محاضرة لشخص آخر، تم إيضاح الموقف في حينه، ولم يكن الموقف بالنسبة لي شخصياً بقدر ما كان محاولة لإثارة الوعي بحقوق الملكية الفكرية.

وتشير الموسوعة العالمية الحرة (ويكيبيديا) أن المقصود بمصطلح "الملكية الفكرية": حقوق المؤلف أو المخترع أو الفنان في امتلاكه - أو امتلاك جهة ما - للأعمال الفكرية والإبداعية والمصنفات الأدبية والفنية بما فيها الرموز والأسماء والصور والنماذج والرسوم الصناعية، التي تقوم بتأليفها أو إنتاجها أو تنتقل إلى ملكيتها لاحقاً، وتشير (WIPO) في موقعها الإلكتروني إلى أن الصين والولايات المتحدة الأميركية أسهمتا في تنمية إيداع طلبات البراءات ليتجاوز عدد طلبات البراءات الدولية السنوية للعام المنصرم أكثر من 200 ألف طلب.

ونحتاج هنا في المملكة إلى التوعية بحقوق الملكية الفكرية، فمنذ خمسة عقود ونحن نطالع سجالات تتعلق باتهامات بسرقة الأعمال الفنية والموسيقية، وزادت هذه الرقعة اتساعاً اليوم لتشمل الأعمال الأدبية والفكرية، كما هو الحال في قضية السرقة المشهورة بين شيخ مشهور ومؤلِّفة انتهت بفصل النزاع لصالحها، ولكن ما زالت القضايا مرشحة للظهور والنمو في ظل التقدم المطّرد في مجال وسائل وأقنية الاتصال التي سهّلت وجود انتشار مثل هذه السرقات وعمليات السطو والقرصنة من جهة، وفي المقابل سهّلت على صاحب الحق كشفها ومعرفة مصدرها من جهة أخرى.

الأسبوع الماضي نشر رئيس لجنة النظر في مخالفات نظام حماية حقوق المؤلف الأستاذ محمد السلامة - في مقال بجريدة "الحياة" - إحصائية للقرارات التي أصدرتها اللجنة وبلغ عددها 600 قرار بغرامات في الحق العام والخاص، مشيراً إلى حرص وزارة الثقافة والإعلام على تحقيق مضمون الأمر السامي الكريم بشأن عدم عودة المملكة إلى قائمة (301)، مؤكداً على بقاء اسم المملكة خارج قائمة الدول المصنفة بانتهاك حقوق الملكية الفكرية.

وهذا الأمر إيجابي ويؤثر إيجاباً في تحسين صورة المملكة خارجياً أمام المنظمات الدولية، لكن غير كاف بطبيعة الحال، فالخروج من القائمة سيئة الذكر لا يعني عدم وجود انتهاكات في مجال حقوق الملكية الفكرية لدينا، فالتركيز على الصورة الخارجية قد يهمّش التوعية بأهمية هذه الحقوق في الفضاء العام، من خلال حصر الجهود في المؤسسة الحكومية وتجاهل الفرد ومؤسسات المجتمع المدني؛ ولذا نحتاج إلى إعادة النظر في هذا الأمر من خلال الفعالية المجتمعية في الندوات والمؤتمرات والمحاضرات الخاصة في هذا المجال.

فهذه القضية لا تخص المؤسسة وحدها ولا الفرد وحده، بل متعلقة بالرأي العام كونها تختص بحقوق الملكية الفكرية، وهنا تبرز التوعية بالحدود القانونية والأخلاقية، فالمثقف والمؤلف والإعلامي لا يمكن أن يتم تجاهلهم في قضية حماية الحقوق الفكرية، لا سيما في ظل انتشار الصيغ الجديدة لوسائل الإعلام، حيث إن الأمر تجاوز السطو على المؤلفات والأفكار إلى حالة أكثر تعقيداً؛ وتتمثل بالسطو على الأفكار، وهذا ما يثيره مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي ومنها (تويتر) من خلال الكشف عن المشاركات و"التغريدات" المسروقة!

نحن إذن أمام إشكالية كبيرة تتمثل باستمرار انتهاك حماية حقوق الملكية الفكرية، في ظل وجود مستخدمين لا يحملون "الحس الأخلاقي" ولا يدركون البعد القانوني، وهنا يطرأ في الذهن سؤال: ماذا ستفعل المنظمة العالمية لحماية حقوق الملكية الفكرية أو وزارة الثقافة والإعلام أمام تغريدة مسروقة؟ الجواب العام هو أننا نحتاج لحماية حقوق الملكية الفكرية بالوعي، وبتعزيز أخلاقيات العمل الإعلامي في مختلف المؤسسات، وبالتربية الإعلامية لمحو الأمية الإعلامية في المؤسسات التربوية.