"اسمع.. أنا شاب ولست بنتا.. وفضيحتك باتت مصورة، وستنشر على اليوتيوب وعلى الفيس بوك وستراك زوجتك وأولادك وأصدقاؤك.. أريد 6000 ريال وسأحذف المقطع وأتركك تعيش بسلام"..
كانت هذه جملة مدوية قالها المتحدث على الطرف الآخر من محادثة إلكترونية، حسب ما يرويه لنا ضحية (نحتفظ باسمه نزولاً عند رغبته) تعرض لابتزاز كاد يوصله حافة الانهيار، وكانت تلك بداية الخيط لرواية كثيراً ما تكررت لكن من وقعوا فيها لم يعرفوا على الدوام كيف تأتي المعالجة.
يقول الضحية: "أعرف أن قصتي محرجة، والحديث عنها يعد مخاطرة، لكنني أعلم أن كشفها ربما يحمي العشرات من مطب الانزلاق، وربما يجنبهم مآسي، ويضيء لهم درب التعامل مع مثل هذه الأمور، ويكشف حقيقة ما يجري في مثل هذه الأجواء، وأن الابتزاز قد يمارس على الرجال، وليس فقط على السيدات كما هي الفكرة السائدة".
ويسرد قصته، على النحو التالي:
"تلقيت سيلاً من طلبات الصداقة على صفحتي على الفيس بوك، وسيلاً آخر من الرسائل الخاصة عليه، وحمل بعضها تلميحات خفيفة تساق على أنها "نكات" بريئة، لكنها كانت أشبه برمي الطعم لاصطياد السمك.
إحدى تلك الرسائل بدأت بالجملة التقليدية "ممكن نتعرف؟".. كانت صاحبتها فتاة، لكن بمجرد قبول التعارف، مالت للتذمر من عدم القدرة على الكتابة على الفيس، والتمني لو صار الحديث على السكايب، ولذلك تواعدنا أن نترك ذلك للمساء.
في الموعد كانت على الطرف الآخر، وبعد بعض جمل استهلالية، بدت أنها تستعجل الوصول إلى غايتها، خصوصاً بعد السؤال إن كنت وحدي، قالت "اليوم عيد ميلادي، وأريد أن نحتفل به سوية"..
كان مفهومها للاحتفال يقضي بالاستمتاع الجسدي عن طريق المشاهدة، مدعية أنها انفصلت عن زوجها منذ فترة، وحتى تضفي مزيداً من الأمان، بدأت محادثة الفيديو من طرفها، لكن بعد أن استأذنت لدقائق بحجة أنها تريد الاستحمام (كان ذلك وقتاً ضرورياً لتجهيز المكيدة من طرفها).
تظهر بداية المحادثة فتاة شابة تجلس قبالة الكاميرا بثياب مغرية، وحينما سألتها عن الصوت، ادعت أن (المايك) معطل، ولجأت للكتابة، (كأنها نسيت حديث الصباح وعجزها عن الكتابة)، مبتدأة أو منهية الجملة بـ"حبيبي".
بدأت تزيد نسبة الإثارة من طرفها، والإلحاح بالحصول على شيءٍ مقابل يرضيها، فتجاوبت معها لبضع ثوان لم تتعد الـ20 ثانية، لكنها طالبت بأكثر، فامتنعت بعدما تنبهت إلى خطأي، وحاولت أن أنصحها بأنها شابة صغيرة، وأنها تؤذي نفسها بما تفعل، لكنها لم تلتفت للنصيحة، وأمام رفضي مواصلة مكالمة الفيديو معها، استأذنت بالادعاء أن الباب يُطرق، وأن صديقة لها وصلت، وأرسلت تسجيلاً لمحادثتنا، لتكشف بعد ثوانٍ عن الوجه الحقيقي للقصة، معلنة بداية الابتزاز.
الانقلاب
كان الإعلان عن أن المتحدث من الطرف الآخر هو شاب وليس بنتا بداية الحكاية، رافقته على الفور رسالة على الفيس من كلمتين فقط، ومن حساب ثان تعلن أن الأمر ليس بيننا فقط، بل هناك أيضاً من يعرف به.
كانت محدثتي قد قدمت لي نفسها على الفيس مدعية أنها لبنانية مقيمة في أوروبا، وأنها أحبت أن تحادثني، طارحة أسئلة عدة عن كيفية القدوم للمعيشة في المملكة، والتأشيرات والمحرم وغيرها.
كان تعريفها على السكايب يشير إلى أنها في بلجيكا.. ناهيك عن التسجيل الذي بثته في بداية محادثة السكايب لفتاة تتحدث على الطرف الآخر بملامح لا تبدو بعيدة عن اللبنانيات.
ومع الإعلان عن أن الطرف الآخر شاب، بدأت حدة التهديد ترتفع، وبدأ يزودني بأسماء أصدقاء لي على الفيس يؤكد أن التسجيل سيرسل إليهم وسينشر على اليوتيوب مع إرسال رابط لي عنه، ثم بدأ يعرض طلباته بلهجة صارمة آمرة "اسمع.. لا أريد أن أدمرك وادمر حياتك وأسرتك وسمعتك.. ارسل لي 6000 آلاف ريال وسأحذف التسجيل، وستواصل حياتك بشكل عادي"، ولم يكتف هذه المرة بالكتابة، بل بمكالمة صوتية على السكايب بدا فيها شاباً يتحدث بلهجة مغربية.
تفاوض
كان المبلغ كبيراً، فحاولت تخفيضه، للخروج بأقل الأضرار، وكان القول بأن المبلغ غير متوفر هو السبيل الأبسط.. وبعد أخذ ورد، أعلن "المبتز" موافقته على أن أحوّل له 3 آلاف ريال في الصباح التالي فوراً، واعداً بحذف التسجيل بمجرد استلامه، قائلاً: "هذه أول مرة أقبل بتخفيض المبلغ، لو كنت سعودياً لطلبت منك على الأقل 30 ألف ريال"، وكانت هذه إشارة إلى اعتياده ممارسة هذا الابتزاز.
كان تحويل المبلغ مسألة ضرورية لمعرفة الطرف الآخر الذي سيتسلم الحوالة، وقد يكون هذا رأس خيط مهم ربما يفضي إلى كشف حقيقته، فسألته عن طريقة التحويل، وبدا أنه ملم تماماً بالتفاصيل في المملكة، فقال: "تحوّل باسم.... وذلك بذهابك إلى بنك الإنجاز وإجراء حوالة ويسترن يونيون".
قلت: "زودني بعنوان أو رقم هاتف ربما أحتاجه للتحويل"، لكنه رد "فقط اكتب الاسم، والبلد.. المغرب!".
ليست نهاية المطاف
أجريت الحوالة في الموعد المحدد، وقبل أن أتواصل معه على الفيس وجدت منه رسالة تقول لي: "تأخرت".. كان هدفها المزيد من الضغط ليس إلا، خصوصاً أنه كان يلجأ بين الحين والآخر لتمرير عبارة ضاغطة تذكر بالتسجيل.
زودته برقم الحوالة، فانتظر حتى المساء، ويبدو أنه استغرق الوقت في استلامها والتأكد من وصولها، ليبدأ جولة جديدة: "أين أنت.. هناك تطور جديد يجب أن نلحق الأمر قبل فوات الأوان"، فتساءلت عن التطور، فقال: "سرقت صديقتي التسجيل مني وهي تهدد بنشره، وقد طلبت 10 آلاف ريال، لكني خفضته قليلاً.. ارسل لي 5 آلاف ريال وسأقنعها بأن تعطيني التسجيل".
كانت تلك وسيلة جديدة للابتزاز، ورفضت بداية التحويل، فزاد من ضغط التهديد، وأبلغته أنه وعد بالحذف وأنه لم يلتزم بوعده، فاستمر في التهديد والتأكيد أنه هذه المرة سيكون القائد وأنه سيسيطر على الأمر وأن هذه الحوالة ستكون الأخيرة ونرتاح.
بطاقات الموتى
أردت الضغط عليه، فقلت له لدي تسجيل كامل بكل المحادثات بيننا، ولدي صورة من التحويل، وسأستطيع الوصول إليه من خلال مستلم الحوالة، وهنا تكشفت أشياء جديدة، وبات يتحدث بصيغة جماعية، عن شركة تدار بظروف خاصة للإيقاع بالأشخاص، وقال: "هل تظن أننا نتسلم الحوالات هكذا.. نحن نستخدم بطاقات أناس متوفين نتسلم بواسطتها الحوالات حتى لا يتعرف علينا أحد".
قلت: "هناك كاميرات في البنوك، وموعد التسليم معروف، والأموات لن يخرجوا من القبور لتسلم حوالة، وبالتالي ليس الوصول إليكم صعباً، وقد ألجأ حتى للإنتربول لأجل ذلك".
قال: "نحن شركة نعمل في ظروف سرية، ولدينا وسائلنا، وهذا يحقق لنا إيراداً كبيراً".
نجحت في تخفيض المبلغ إلى 2500 ريال، وماطلت في تحويله يوماً إضافياً، قبل إرساله على ذات الاسم ولذات البلد.
سيناريو مكرر
قبل تزويده برقم الحوالة الثانية حرصت على تجديد التأكيد على الحذف، وعلى تذكيره بأنه القائد، فشدد على أن الأمور تحت سيطرته، فأعطيته رقم الحوالة.
في ذات المساء، عاد ليدعي أنه لم يستفد من المبلغ شيئاً وأنه حوّله لصديقته ليمنعها من "النشر"، وأنه يحتاج مني مساعدته لشراء دواء لجده المريض، قائلاً: "اعتبر الأمر صدقة"، لكن الغريب أنه حدد مبلغ الصدقة بـ4 آلاف ريال".
نصائح لتجنب التعرض للمخاطر
يقول أحد المواقع الإلكترونية "تكشف كثير من الدراسات العلمية أن مشكلة الابتزاز الإلكتروني لا تكمن في التقنية نفسها بل في مستخدمها، وتؤكد أن منع هذه التقنيات من دخول البيوت ليس حلاً يمكن أن يقي المجتمع بشكل تامّ من سلبيّات الإلكترونيّات ومخاطرها، خصوصاً أن هذه التقنيات تنتشر في الشوارع والأماكن العامّة والخاصّة، وليس البيوت وحدها.
ويُعّد سوء استخدام تلك التقنية هو ما يُعرّض الشخص للابتزاز كالإهمال في التعامل معها والاستهتار في وضع الخصوصيات، واللامبالاة في التعامل مع الغرباء عن طريق الهوت ميل والبلوتوث وقبول صداقات الغرباء".
وينصح الموقع لتجنب مخاطر الابتزاز بالتالي:
أولاً: عدم التعامل مع أي شخص غريب أو مجهول الهوية عبر الإنترنت.
ثانياً: الحذر الشديد من وضع الخصوصيات ونشرها عبر الإنترنت أو الهاتف النقال.
ثالثاً: لا تفتح أي روابط عشوائية تأتيك عبر البريد الإلكتروني.
رابعاً: لا تبع الذاكرة الشخصية الخاصة بهاتفك النقال لغرباء حتى وإن حذفت البيانات والصور والمعلومات التي تحتويها.
خامساً: عدم الإفراط في التعامل مع الإنترنت خاصة في الأوقات الليلية.
سادساًَ: الحذر الشديد عند التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي.
بدوره، ينقل موقع الكتروني آخر عن متخصص في الهاكرز، النصائح التالية:
ـ يجب على الفتاة ألا تضع صورها على جهاز الكمبيوتر مهما كانت الأسباب فالمخترق عندما يخترق الجهاز يستطيع الحصول على جميع الصور في الجهاز بسهولة وتبدأ مرحلة الابتزاز.
ـ إذا كانت للفتاة صور أو ملفات خاصة في سي دي أو كرت ذاكرة، وأرادت أن تشغلها في الكمبيوتر، يجب عليها فصل النت، وفصل الاتصال قبل ذلك، فبمجرد دخول الكرت أو السي دي للجهاز أصبح جزءا من الجهاز وأصبح اختراقه متاحا وسهلا.
ـ لا تستقبل أي إيميل لا تعرفه مهما كان؛ فبفتحه يزرع الهاكر تروجين في الجهاز مباشرة ويتحكم بجميع المنافذ والبورتات.
ـ يجب أن يكون المودم للإنترنت مشفرا برقم سري ليس فقط الوايرلس بل أيضا الاتصال السلكي، فالهاكر إذا تمكن من السيطرة على مداخل المودم تمكن من جميع مداخل الجهاز وأصبح كأنه صاحب الجهاز يمسح ويضيف ما يشاء ويسجل ويدمر.
ـ الحذر من إضافة أي شخص مجهول في برامج الاتصال المرئي مثل سكايب، لأنك تخوله فتح الكاميرا في أي وقت، حتى وإن كانت بالأجهزة الكفية.
ـ لا تقبل أي ملفات ترسل لك عبر برامج الشات مثل سكايب.
ـ لا توافق على التطبيقات غير المعروفة، وضع إيميلا ثانيا لحسابك على مواقع التواصل الاجتماعي، وفعل الحماية عن طريق الهاتف النقال، ولا تدخل لحسابك عن طريق الإيميل، وادخل عن طريق الاسم الذي اخترته كي لا يتعرف الهاكر على إيميلك.
ـ سجل الخروج من المواقع التي سجلت بها الدخول كـ facebook وhotmail وgmail وpaypal، ولا تستعمل خاصية "تذكر كلمة المرور" خصوصا من الحواسيب العامة، ولا تقم بتخزين كلمات المرور على جهازك.