لا يخفى على أحد مدى أهمية تكنولوجيا المعلومات والاتصال في العصر الحالي. التكنولوجيا هي التطبيق النظامي للمعرفة العملية.

فتكنولوجيا المعلومات تعتبر محركا رئيسا لتطور العلوم جميعها، وتمثل سندا وداعما لكافة الأنشطة الحياتية، فهي تلعب دورا هاما في دفع عجلة التعليم والمعرفة في العلوم المنوعة نحو رؤية حديثة في اكتساب المعرفة والاستفادة منها بالطرق والظروف المختلفة.

وهنا يمكننا القول إن هذا العلم الذي اجتاحت رياحه منذ فترة عصرنا، له القدرة على أن يكون علماً مستقلاً بذاته يتمتع بخصائص ومزايا لا توجد في غيره من العلوم، فهو علم لا يتوقف عند حد الحاضر فما كان في القرن الماضي من الخيال العلمي أصبح الآن واقعا يعرفه الصغير قبل الكبير، وما نتخيله الآن قد يصبح واقعا في حياة الأجيال القادمة.

إن مدى رغبة الإنسان في تعلم التكنولوجيا وتفاعله معها يرتبط ارتباطا وثيقا مع حاجته إليها، فنرى الآن العديد من الدوائر الحكومية تعتمد أنظمة معلوماتية تيسر للأفراد بعض المعاملات الإلكترونية التي يرى فيها الفرد راحة وسهولة وتوفيرا للوقت والجهد.

ونرى الآن حاجة الطلاب في المراحل الأساسية والجامعية لاستخدام شبكة الإنترنت لجلب المعلومة التي تثري معرفته، ونرى كل يوم استعمالات التكنولوجيا في البيت والشارع والمؤسسات.

ولكننا لا نتغاضى عن سلبيات التكنولوجيا حتى وإن كانت محصورة على إساءة استخدامها من قبل متعاطيها.

ولقد أحببت تناول جانب التكنولوجيا والدين، لأهمية مواءمة الدين مع كافة الجوانب الحياتية متسارعة التطور، وهنا نقف لنتساءل هل نسير في هذا التطور ونحن نحمي هويتنا الدينية؟

من منظوري الشخصي أرى أن التسارع الحالي في التطور أثر سلبا على هويتنا الدينية وقد يؤول ذلك لأن هذا التطور مستورد من قبل الغرب، فنحن نأخذه كما هو مع جميع مرفقاته بالطابع والهوية الغربية، ولكننا نتساءل أيضا ما علاقة الدين بالتطور؟ نعم، لم لا؟! وحقيقة إبعاد التكنولوجيا لنا عن التقرب إلى الله في حياتنا اليومية، كانشغالنا في البحث عن الاستخدامات المنوعة للتكنولوجيا يوميا وتقصيرنا في أداء طاعاتنا الدينية.

فنحن نستخدم الرسائل الهاتفية (SMS) أو المكالمات بدل الزيارات والتواصل مع الأرحام، وينشغل الشباب كثيرا في الجلوس أمام جهاز الحاسب للعب أو لاستخدام المحادثات (chat) أو الإنترنت لساعات طويلة دون اهتمامه بمشاركة أسرته الأجواء العائلية أو تحمل جزء من مسؤوليته تجاههم أو تأدية دور اجتماعي نحو الأقارب والجيران والأصدقاء، كالاطمئنان عليهم وتقديم المساعدة للآخرين، فهو متنح بحجة أنه ما زال صغيرا وغير مطالب بتأدية أي أدوار من شأنها إعطاؤه مسؤولية تجاه الآخرين، ناهيك عن أننا لم نتطرق إلى تقصيره في تأدية عباداته المفروضة عليه بذريعة أن العالم تغير وهذه الأمور أصبحت تمثل تأخرا ثقافيا وحضاريا.

هذا الخطر الذي أحدثه التعامل السلبي مع أدوات التكنولوجيا أصبح مهددا رئيسا لتغيير هويتنا الدينية، وأبسط الأمثلة التي يمكن أن تؤديها التكنولوجيا للإنسان العادي هو إبعاده عن الإحساس بحاجته إلى الله في كل أمور حياته، مثال ذلك حين ينقطع الماء عن المنزل يقوم رب الأسرة بتفقد محبس المنزل ثم يقوم بتفقد محبس الحي الذي يسكن فيه ثم يهاتف سلطة المياه للاستفسار عن سبب الانقطاع، أما في السلف السابق فكان أحدهم إذا أدلى بدلوه في البئر ولم يعثر على الماء يرفع يديه إلى السماء ويدعو الله لإنزال المطر.

أنا لا أدعو إلى مقاطعة التكنولوجيا -لأنها كما أسلفت مهمة في حياتنا-، ولكنني أدعو إلى تعميق الهوية الدينية أكثر وعدم جعلها جزءا من متغيرات العصر (كموضة) بل الارتباط بها أكثر ضمن المسيرة العالمية المتسارعة في التطور.