قرأت قبل فترة إعلاناً تطلب فيه إحدى الشركات الخاصة مهندساً مدنياً "حديث التخرج" شريطة أن تكون لديه "خبرة لا تقل عن 5 سنوات".!
مثل ذلك الإعلان التعجيزي "العبيط" يتجسد في القطاع الحكومي على هيئة قرار أو نظام ارتجالي يصدره مسؤول ما، لا يستوعب جديته عقل إنسان، فتظن لأول وهلة أنه نكتة سامجة.!
انتقلت ظاهرة "التعقيد" إلى صغار الموظفين، فتلحظ قسوة بعضهم على المراجعين، تجده يبحث عن ثغرة لتعطيل معاملاتهم، وعندما يجادلونه يصرخ في وجوههم: "هذا النظام".!
يشعر البعض بنقص في تركيبة ذاته، فيأخذ بتعويضه من خلال التضييق على الناس في مصالحهم. وخلق العثرات أمامهم. ولا يتوقف الأمر عند المسؤول في قراراته فحسب، بل يتجاوزه إلى حث موظفيه على ذلك، بزعم أن التسهيل على الناس ضعف وإنقاص من الهيبة.!
أي متعة يجدها ذلك المسؤول أو الموظف وهو يشق على الناس، بينما المفترض أن يكون لهم خادماً ومعيناً.؟!
لربما قرأ بعضكم قصة "سلطان الأباريق" وخلاصتها أن رجلاً كانت وظيفته الإشراف على أباريق حمام عمومي، تتلخص مهمته في التأكد من ملء تلك الأباريق بالماء، كي يأتي من يريد دخول الحمام ويأخذ إبريقاً. وعندما يقضي حاجته يرجع الإبريق إلى صاحبه، فيعيد ملأه للشخص التالي.
وفي إحدى المرات جاء رجل مستعجل فخطف أقرب إبريق وانطلق مسرعاً نحو الحمام. عندها صرخ موظف الأباريق في وجهه طالباً منه إعادة الإبريق حالاً، فأعاده الرجل مكرها – رغم الزنقة – ثم أمره أن يأخذ إبريقاً آخر. فأخذ الإبريق المشار إليه ومضى إلى الحمام.
وعندما عاد لكي يسلم المسؤول الإبريق سأله عن سبب طلبه العودة وأخذ إبريق آخر، مع أنه لا فارق بينه وبين الإبريق الأول. فرد عليه مسؤول الأباريق: لو تركتك تأخذ ما تريد، فما هو عملي إذن.؟!
"اللهم من رفق بأمتي فارفق به، ومن شق على أمتي فشق عليه".