من روايات والدي - رحمه الله - عن مواقف مؤسس الدولة السعودية الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إبان الحرب العالمية الثانية عندما انقطع الحجاج القادمون عن طريق البحر، وهي الوسيلة الوحيدة لنقل الحجاج من بلاد ما بعد البحار، حيث لم يكن الطيران التجاري وسيلة من وسائل النقل للحجاج من دول آسيا وغيرها من الدول الأخرى. وكان حجاج البر يقدمون من دول مجاورة، وكان لغياب الحجاج عن مكة المكرمة والمدينة المنورة أثر اقتصادي سلبي على أهل مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث كان معظم الأهالي والمقيمين في مكة يعيشون على إيراد الحجيج كمطوفين أو أهالي مؤجرين بيوتهم للمطوفين، أو تجار يتاجرون في احتياجات الحجاج وجميع الخدمات المساندة.

وعلم أهل مكة المكرمة والمدينة المنورة آنذاك بخبر توقف الحجيج القادم من خارج البلاد ونظراً لصعوبة الموقف الاقتصادي عليهم تضجر الناس واشتكوا حالهم حتى بلغ الأمر إلى الملك عبدالعزيز المؤسس للدولة السعودية - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته -، وكان - رحمه الله - رجلاً حكيماً ولبيباً ذكياً رحيماً لديه إحساس إنساني واجتماعي يعيش ظروف الناس، ويعمل على رفع معاناتهم وكانت مكة المكرمة والمدينة المنورة تعدان عينين في رأسه. وتقديراً للظرف أمر وزير المالية آنذاك الشيخ عبدالله السليمان باستئجار جميع بيوت أهل مكة المكرمة المعروضة للإيجار وبالأسعار التي تم إيجارها به العام الذي سبقه، وعدم التفاوض لتخفيض الأسعار واستلام المفاتيح منهم ونفذ وزير المالية آنذاك وهو رجل صاحب ولاء وطاعة لمليكه ولوطنه ومنفذ بارع لتعليمات المؤسس فاستأجر جميع المباني المعروضة للإيجار في مكة المكرمة آنذاك وقدم موسم الحج وانتهى الحج، ولم تفتح تلك المنازل ولم يدخلها أحد. فخاف أهلها وتضجر البعض وخشي الآخرون أن الدولة قد أضاعت عليهم إيجار موسم الحج حتى ولو أجروه بنصف القيمة على حجاج من الداخل.

فذهبوا بعد الحج وفي نهاية المدة الإيجارية وكانت شهرين للوزير عبدالله السليمان يسألونه والبعض يشكو له الموقف بحماس المحتاج الذي ضاعت عليه الفرصة، وإذا بمعالي الوزير عبدالله السليمان يشير عليهم بمراجعة أحد المسؤولين في الوزارة لاستلام مفاتيح منازلهم المؤجرة بأسمائهم واستلام الأجرة المتفق عليها. وبالفعل ذهبوا ووجدوا مفاتيحهم والأجرة معها. فكان موقفا له ردة فعل كبيرة حسبت للملك المؤسس صاحب المواقف الرائعة مع شعبه في ظروفهم الصعبة. فكسب ولاءهم ومحبتهم ولا تزال قصص مواقفه تروى حتى اليوم.

إن ما دفعني لذكر هذه القصة هي توقعات البعض عن الأثر الاقتصادي السلبي على انتشار فيروس (كورونا)، ورغم أنني متفائل بالحلول القريبة تماشياً مع الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة لتجاوز الأزمة حفاظاً على أرواح المسلمين عامة سعوديين، وغير سعوديين حجاج ومعتمرين وسكان المملكة. إلا أن التخطيط المسبق لاحتمالات تراجع أعداد الحجاج هذا العام واردة والتوقعات تشير إلى أن الحجاج كبار السن والمرضى من الحجاج قد يغيب هذا العام. وكما نعرف أن نسبة عالية من الحجاج هم من كبار السن، وعليه فإنه على مؤسسات الطوافة أن تأخذ هذا في الاعتبار وعلى المتعهدين والمضاربين في إيجارات بيوت الحجاج في مكة المكرمة والمدينة المنورة أن يأخذوا هذا في الاعتبار لأن المغامرة في المجهول أمر لا يحمد عقباه لا سيما أن بعض الدول الإسلامية وجهت رسائل إلى مواطنيها بتحذيرات قد تصل إلى المنع لكبار السن والمرضى من أداء فريضة الحج هذا العام.

أدعو الله أن يسلم بلادنا وبلاد المسلمين من انتشار هذا الفيروس بما يؤدي إلى منع الحجاج من الخارج للحج هذا العام. رغم أنني أكرر تفاؤلي بأن الحلول قادمة إن شاء الله، وللتخطيط المسبق أقترح على رجال الأعمال المستثمرين في المجال الفندقي أو في مجال إسكان الحجاج لدراسة الخدمات المساندة والتنسيق المسبق مع وزارة الحج لدراسة جميع التوقعات، حسب المستجدات على أرض الواقع، والتنسيق لوضع حلول تشغيلية بديلة ومنها زيادة حجاج الداخل وإعادة توزيع الإمكانات الإسكانية المتاحة. وإذا كان حجم الضرر الاقتصادي كبيرا أقترح على الدولة التفضل بمساعدة المتضررين على مختلف القطاعات والتخصصات التي قد يلحق بها ضرر اقتصادي، وذلك أسوة بالمؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - مع أهل مكة إبان الحرب العالمية الثانية.

إن التخطيط المسبق لاحتمالات جميع الظروف هو مطلب أساسي، وأجزم بأن فكر وعلم وذكاء وخبرة معالي زميلي الدكتور بندر الحجار وزير الحج قادرة على دراسة الواقع في توجيه كل من يتعامل مع الحج في جميع القطاعات، وقد يسهم هذا في تخفيف حجم الضرر. وإن الأهم في كل هذا هو تضافر الجهود للمعالجة والقضاء على هذا الفيروس، فأرواح المسلمين أغلى من بلايين الاقتصاد.