بعض الشخصيات في حياتنا لها قدرة مذهلة على استفزاز الكوامن حول الفكرة الإنسانية الذاتية التي يمكن أن تتشكل تجاهها، ذلك أقرب لإنتاج الكاريزما موضوعا ونموذجا، فالاستفزاز الإيجابي قليل لأن النفس أكثر ما تميل إلى السلبي حين تتعامل بأبعاد شخصية، فإما تصمت أو تتحدث بالسوء، ولكن تلك الشخصيات تدفع لإبراز جوانبها الإنسانية التي تتمدد في الذات مهما تحلّت بالموضوعية وابتعدت عن شخصنة العلاقات وتناولها في سياقات فكرية مستحقة من واقع ما تقدمه من جهود صادقة وأدوار مخلصة لأجل المجتمع والوطن والإنسانية.

ذلك ينسحب على عضو مجلس الشورى الدكتورة لطيفة الشعلان، التي أجدني مدفوعة لتناولها في إطار النموذج النسوي الفخم، رغم أني لا أحسن الكتابة عن الشخصيات ولا أحبذ ذلك، ولكن هذه المرأة العملاقة جديرة بأن يتم تناول منجزها الوطني والاجتماعي والسياسي كموضوع وطرح لا يمكن عزله عن عمقه الذاتي، فهي إحدى أهم النساء السعوديات المعاصرات، اللائي حققن الفارق الفكري الذي يمنح المرأة تلك المساحة الاجتماعية والإدارية والعلمية المطلوبة لتأكيد الجدارة والريادة والمسـاهمة الفاعلة في التغيير الإيجابي.

من خلال الدور المؤسسي أو الفردي للدكتورة الشعلان فإنها تعد المثال المهم للمرأة السعودية في تقديم الصورة المشرفة والاستثنائية الفاعلة في الوصول إلى المرحلة الاجتماعية الانتقالية التي تؤكد أن بإمكان المرأة السعودية أن تفعل ما هو أكثر من دور الأمومة والاختباء خلف ضعف الأنثى وقلة حيلتها، وإنما هي الكيان الإنساني الذي يملك كثيرا في المسارات الفكرية والعقلية التي تجعل المرأة شريكا مميزا في الحياة وصناعة واقع متقدم ومتطور نسعى جميعا إلى الوصول إليه، لأن الحياة شراكة بين جميع العقول التي لا تميز الإنسانية وفقا للجندرة الاجتماعية والفسيولوجية.

لم تتوقف الدكتورة الشعلان عند حصادها وكسبها في العمل العام عند محطة الشورى والعمل عبر المنظمات المدنية الاجتماعية وإنما تعمل بجهد المخلص الصادق لتأكيد وتعزيز خطاب اجتماعي وفكري رصين يعبّر عن المرأة السعودية، ولعلها من القلائل الذين ولجوا بوابة المواقع الاجتماعية من خلال موقع "تويتر" لتتدفق بعطائها التفاعلي مع محبيها ومتابعيها وتطرح رؤى وأفكارا مثيرة للاهتمام، وأجد لديها ذلك الاستقطاب الفكري السلس فيما تطرحه ويصلح لأن يكون بذرة لمشروعات اجتماعية تثبت فعالية المرأة السعودية، وتستقي من الآخرين بكل تواضع حراكهم وتطور وعيهم وتستصحبه فيما تقوم به من أدوار في مؤسسة الشورى وأينما كان هناك حضور للمرأة.

وللشعلان مواقفها الجريئة والموضوعية التي تضيف للمرأة السعودية وتمنحها الخيارات العقلية السليمة، فهي إحدى المدافعات بقوة عن الحقوق المدنية للمرأة، وداعمة لحق قيادة السيارة، وساعية لكل توجهات إصلاحية تتوافق مع الخصائص والخصوصية الاجتماعية في المملكة، وهي قريبة جدا من هموم المرأة العادية ولديها مبادئ في نمطها الفكري قائمة على أن المرأة المثقفة محاصرة بأكثر من سياج، يأتي ذلك من ثقافة التغييب والتجهيل لحقوق المرأة، التي تعمل كمؤسسة أيديولوجية ضاربة بأطنابها، ما يضعها في وضع إنساني يرتكز إلى مرجعيات حقوقية تحفزها لبذل جهد مضاعف من أجل أن ترتقي المرأة وتصل غاياتها وتنال استحقاقاتها، وهنا يبرز جوهر فكرها ورؤيتها وسلامة منهجها، الذي يجعلنا نحتفي به ونضعه موضعه اللائق من التقدير والاحترام، وحين نقرأ تفاعلها في "تويتر" فإننا نلمس اقترابا إنسانيا كبيرا من الهموم والقضايا الكبيرة والسعي الجميل والصادق للتعاطي معها، وفي الواقع فإننا نظل أمام صورة كلّية للمرأة السعودية تعكسها الدكتورة الشعلان من خلال قيمتها الإنسانية وأدوارها الكبيرة في حياتنا الاجتماعية والوطنية، إنها حقا ملهمة ورائدة ومساهمة بقوة في صناعة مستقبل أكثر إشراقا وازدهارا للمرأة السعودية يستحق الدراسة والمتابعة والتأمل.