خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ أحد أهم قادة المسلمين المجاهدين، خاض مئة معركة، ومع ذلك لم تُكتب له الشهادة، بل توفي على سريره، وليس بجسده موضع إلا وفيه ضربة سيف أوسهم، فطلب الشهادة لا يأتي إلا بأخذ أسباب الحياة، ولا تُرمى النفس للموت ثم نقول "شهيد"!، وأخذ ابن الوليد بأسباب الحياة جعله يخوض مئة معركة محافظا على حياته رغم رغبته في الشهادة، عكسه ذلك الصحابي الذي حكى عنه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه في النار، رغم موته في إحدى المعارك مجاهدا، والسبب أنه بعد طعنه بسيوف العدو، لم يحافظ على حياته بإنقاذ نفسه، بل أجهز عليها بسيفه بغية الشهادة، فكان نصيبه النار!، حال هذا كحال من ذهبوا هنا وهناك وآخرهم في سورية بحجة نصرة إخوانهم وطلبا للشهادة، وهم لا يعرفون كيف يُمسكون بـ"مسدس"!.

لكني أتساءل: كيف باتت حياة الإنسان بهكذا رخص؟ فوصل الحال إلى تسويق الموت تحت مظلة "الشهادة في سبيل الله" لتكون كلمة "شهداء" تجارة رابحة للفساد في كل طيف، ترخص معها قيمة الحياة وتعظم قيمة الموت!، ويفلت من يفلت من الحساب، رغم أننا لا نعيش في زمن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولسنا في عصر فتوحات إسلامية! ومع ذلك هناك من يستخدم "الشهادة" وسيلة لتسويق الموت باسم الإسلام، فسُمي بـ"الشهداء" من يصدق عليهم كلمة "ضحايا"، بينما الإسلام جاء حافظا للحياة وجعل للنفس مهابة، فمن قتلها، كأنما قتل الناس جميعا!.

وليس هناك أسوأ من تسويق الموت بصكوك "الشهادة" كما فعل منظرو الإرهاب مع غسل أدمغة من صدقوهم، ففجروا أجسادهم وسط الأبرياء!، بينما أمثال ابن لادن والزرقاوي والظواهري وغيرهم، ظلوا يتنعمون بالنساء والمال والولد، ولم يسعوا لـ"للحور العين" بحجة أنهم أمراء جهاد! لكن المأساة في أن مصطلح "الشهادة" لم يعد سلعة يُسوقها الإرهابيون فحسب، لقد بات المتاجرون ومن يريد الهرب من المساءلة يستخدم ذلك أيضا، فالسياسيون في الدول العربية، التي ثارت شعوبهم وقتل أبناؤهم في سبيل"الديموقراطية" سوقوا ضحايا الشغب بـ"الشهداء"، بينما هم ضحايا، ووصل بعضهم إلى مقاعد البرلمانات والسلطة متاجرا بهذه التسمية، مضيفا إليها "حقوق" الشهداء!، وما يزال الإخوان المسلمون يسوقون الموت بالشهادة بين المتحمسين لهم، وما يحصل أن الشباب يموت مع ورقة وفاة تُكتب عليها "شهيد"، فيما السياسيون يحصلون على مقاعد السلطة والأموال! كم هي تجارة رخيصة باسم الحرية، بينما الحرية لا قيمة لها ما لم تُحافظ على حياة الإنسان ليتمتع بها!.

نحن أيضا نقع في هذا الخطأ مع "فيروس كورونا"، حين نطلق على ضحاياه بـ"الشهداء"؛ لأنه يشبه الموت بالطاعون، ورغم أن انتشاره نتيجة إهمال، صحيح أن ذلك تصديق للأحاديث النبوية الشريفة، ولا أعترض، لكن اعتراضي هو التدخل في الإرادة الإلهية، فيُعلن عن ضحايا الإهمال والفساد أنهم شهداء، فيعظم الموت، وترخص الحياة، ويعزف الناس عن أخذ الأسباب للبقاء، فيغامر بعضهم في السيول ويهمل آخرون أسباب الوقاية من "كورونا" حتى يصابوا، بينما المسؤولون المهملون والفاسدون يزدادون في إهمالهم! ولهذا علينا التوقف عن تسويق الموت بـ"الشهادة"؛ لأن أمرها بيد الرحمن لا بيد خلقه، رحمنا الله وإياكم رحمة واسعة!.