تنائي ابن زيدون هذا، يصور لي حال بعض من يرتدون عباءة الدين وهم بعيدون، وفي منأى عن دين محمد صلى الله عليه وسلم، بل وعن معناه الحقيقي، وعن خلق القرآن الذي يقرؤونه صباح مساء رياء وربما وظيفياً.. فلا شيء يدلك سوى لحية تكسو نصف صدره، وثوب قَدَّ ما تحت كعبيه، وغير هذا من العلامات.. لا ترى منه غير فحش في القول وسوء معاملة.
لا أقول هذا من خلاء، بل بعد أن قرأت ورأيت أسلوب ذلك الرجل الذي قالوا إنه إمام مسجد ومعلم، كيف كان ينصّب نفسه داعيا وفي قوله النكر والفحش، يرمي بكلمات كشرر متطاير تحرق النفوس، وتضمر الشر، والغريب في الأمر أنه يجاهر بهذا، ويرى نفسه منتصراً، وينتشي بهذا النصر، ويسعد به كثيرا، ولم أر مبررا لهذا السوء سوى أحد أمرين: إما أنه يمثل دور المتدين لاهيا بمشاعر الناس وأوقاتهم، أو أنه يعاني من مرض عضال يستوجب أن يقف الجميع معه حتى يشفى منه ويعود لفهم الدين الذي ربينا عليه، دين الحق والصلاح.. ويكون حقاً مسلماً كما قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. الغريب الذي يندى له الجبين أن هذا الرجل المتلبس بلباس التقوى لم يبق ولم يذر لغير المتقين شيئا.. لم يشعر بكمال الإيمان حتى نبش قبور الموتى بالغيبة، وأنهك خلدهم بعباراته الساخرة، ولا أعلم كيف يرى صور الموتى أمامه، وبدلا من الدعاء لهم بالرحمة والغفران وطلب حسن المآل، يرميهم بكلمات مسمومة. من المؤسف أن مثل هذه النماذج محسوبة على الصلاح! مثل هذا لابد أن يعاد لصفوف التربية وإعادة بناء شخصيته حتى يتمكن من العيش بين البشر بنفس المستوى الذي يرتضيه الإنسان لنفسه ولأبويه.
قد يرى الكثيرون ممن يقرؤون هذا الكلام أنني قسوت على هذا الرجل وأمثاله، لكنْ لو قرأتم أسباب كتابته لرأيتموه يسيرا بالنسبة لسببه.
مثل هؤلاء الطيبين يثقون بأن إطلاق اللحية وتشمير الثوب يشفعان لأمثال تلك النماذج الرديئة، فيبيحون لأنفسهم النيل من غيرهم دون أن ترف أعينهم خشية أو يخافوا في ذلك لومة لائم. خلاصة القول: إن الله أمر بالحسنى في القول والعمل، ووظف الناس شهداء على الناس في الأرض، فأشهد الله أن هذا الرجل وأمثاله قد أساؤوا لمفهوم الدين.