تعودنا دمغ الرسائل الجامعية بالثقل المرهق وغير المستساغ، والوقوع تحت مطرقة الغايات النفعية، والحمولات الإنشائية والارتهان لشروطها النمطية، وقوانينها الصارمة وكثافتها الأسلوبية الموروثة والمصنعة، مما يدخل تلك البحوث في ربقة الترهلات والاستفاضات والإسهابات المتعمدة، والمضامين المرصوفة والاستعراضية والمطنبة، واقتيادها اقتيادا مقصودا وتعسفيا، لكي تلبي وتستجيب لمسارات البحث والتماهي معه، ولكن الباحثة "حليمة أحمد حسن العسيري" من خلال مشروعها الضخم وآليات "أنثنتها "للشعرية العسيرية، استطاعت في استنطاق حي وحيادية يقظة، أن تقدم عملا متحصنا بالوعي ومناوئا للاستهلاك والهامشية، وهيمنة الإجراء الأزلي الممل وحبسيات العرف البحثي، فقد انعتقت ببحثها عن الوضعيات القصدية للحصول على الدرجة العلمية، حين انفتحت على فضاءات الشعرية العسيرية ومصوراتها وتفكيرها التأملي، وما تنطوي عليه من مساقات ودلالات وحرارة حياة، وما تمثله المرأة من تموضع داخل التجربة الشعرية لشعراء عسير، أعملت أدواتها الفاعلة وعينها المدربة ومقارباتها المعرفية، لتستكنه ما تنطوي عليه تلك التجارب القولية من ترميز وأسطرة وحضور فاتن في الفعل الشعري العسيري، مسلطة عدساتها العميقة والمبصرة في كل المساحات والفضاءات والموحيات البيئية والتعالق معها، بحثا عن النزعة الإنسانية في باطن الوجدان لهؤلاء الشعراء وانبثاقاتهم وحساسيتهم العالية تجاه المرأة، والماثلة في بوحهم وموجوداتهم الشعرية ومراوداتهم الشعورية والنفسية الرهيفة، والطافحة بالغنائيات العذبة والخصوبة المترعة.

اعتمدت الباحثة في مشروعها على الإحالات والمرجعيات والمناخات التي شكلت هذه المختزنات، والحضور الإنساني للمرأة في المشهد الشعري وجماليات التعبير المشعرن، واكتسبت الدراسة أهميتها لكونها "أول دراسة مستقلة للشعر المعني بالمرأة في عسير والنظرة الإيجابية لها".

أثار البحث الإدهاش والإبهار لكون الباحثة لم تحرق المراحل وإنما انطلقت من الجذر الشعري والرحابة الزمنية، حين استولدت نماذج شعرية مبكرة في انعطافة تدل على البراعة والمهارة ودينامية البحث الرصين، أشرف على الدراسة ثلاثة من أبرز "عمال المعرفة" في منظومتنا الثقافية وتجربتنا الكتابية وهم: الدكاترة عبدالله حامد، وعبدالله الحيدري، وعبدالرحمن المحسني، وقام نادي أبها الأدبي بطبع الرسالة ونشرها بصورة تليق بها. استرعى انتباهي في البحث اتهام الباحثة لي في ص 529 بالعيب في ارتكاب مأخذ التكرار في قصيدة كتبتها قبل أكثر من ثلث قرن، حيث قلت حسب رؤيتها: تعرى الحزن يا أماه فوق الجرح والشمعة.. ولم ترحم رياح الليل سقف الكوخ والشمعة.. أي وقوعي في تكرار كلمة: "شمعة "معتمدة على ديوان: "قصائد من الجبل"، وبالعودة إلى الديوان وإلى القصيدة ص14 وجدت أنني لم أكرر كلمة" "الشمعة"كما تقول الباحثة، بل قلت "فوق الجرح والدمعة.. سقف الكوخ والشمعة"، ولذا فأنا متهم بريء من ذلك العيب والحمد لله.