منذ تأسيس المملكة العربية السعودية، يحرص قادتها على رعاية المقيمين فيها، وفتح مجالات العمل والدراسة لأبنائهم.

وكم من زملاء دراسة مقيمين، درسوا في الجامعات السعودية بعد تخرجهم من المدارس السعودية، وأكملوا دراساتهم العليا وأصبحوا رجال أعمال ومديري ورؤساء شركات، وخرج بعضهم إلى بلاد الغرب: أوروبا وأميركا، وأبدعو وحققوا نجاحات كبيرة، ويعود الفضل إلى سياسة المملكة في رعاية أبناء الجاليات الأجنبية في المملكة.

وتفرض ـ أحيانا ـ الظروف الصعبة على بعض المقيمين إرسال أبنائهم للدراسة الجامعية في بلادهم، نظرا لمحدودية المقاعد الجامعية في الجامعات السعودية، وتزايد الطلب عليها من المواطنين، إلا أن المتغيرات السياسية في بعض الدول العربية دفعت رعاياها في الخارج، ومنها في المملكة العربية السعودية إلى أن يستبقوا أبناءهم وبناتهم معهم.

وأخص اليوم أبناء الجالية الشقيقة السورية، الذين كانوا يرسلون أبناءهم وبناتهم للجامعات السورية بعد حصولهم على الشهادة الثانوية في المملكة، واليوم ـ وبعد الفوضى السياسية في بلادهم والدمار الذي لحق بالمؤسسات التعليمية ومنها الجامعية، وبعد فقدان الأمان والسلامة في الحياة اليومية في سورية ـ أصبح المقيمون السوريون مجبرين على الاحتفاظ بأبنائهم في السعودية، ومحاولة إيجاد فرص للتعليم في الجامعات السعودية.

ولما كانت المملكة من أكبر الدول العربية دعما ومساندة للدول النامية والفقيرة ـ بما فيها الدول العربية، ويدخل في دعمها موقفها الإنساني لدعم المهجرين السوريين من وطنهم نتيجة الحرب القائمة والدمار الذي حل بمدنهم وقراهم، فقد وصل الدعم المالي إلى مبالغ تجاوزت الخمسمئة مليون دولار، ومازال الدعم الإنساني قائما لرعاية كبار السن والأطفال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة.

وهذا ما يدفعني اليوم إلى التمني على الحكومة السعودية، أن تتبنى تعليم أبناء وبنات الجالية السورية في المملكة مجانا، في التعليم العام والجامعي والحكومي والأهلي، على أن تحسب هذه التكلفة ضمن برنامج دعم الجاليات السورية خارج وطنها، وهو طلب ليس فقط من الحكومة السعودية، وإنما من جميع حكومات دول الخليج.

الظرف الذي تمر به الشقيقة سورية ظرف استثنائي؛ توقفت فيه المؤسسات الإنتاجية، من: مصانع، وخدمات، وتجارة، ومهن، مما أدى إلى انحسار فرص العمل وتوقف إنشاء المؤسسات الصغيرة، فضلا عن توقف أكثر من 70% منها حسب بعض الإحصائيات، وأصبح الاقتصاد في حالة لا تستطيع استيعاب أي مشاريع تنموية جديدة تسهم في خلق فرص عمل جديدة.

وعليه يكون مطلبي الثاني من حكومة المملكة، صاحبة المواقف الإنسانية في جميع الظروف الاستثنائية، هو السماح لأبناء الجالية السورية بالعمل في المملكة، وعلى نظام العمل السعودي دون احتسابهم كعمالة أجنبية في المؤسسات والشركات السعودية، حتى تتحسن الظروف والأجواء في سورية؛ لأن ترك الأبناء القادرين على العمل، والباحثين عنه بدون عمل يعد كارثة على أهلهم وعبئا ماليا على أسرهم وسلبية على المجتمع الذي يعيشون فيه. وإن ترحيلهم خارج الوطن لمخالفتهم نظام العمل، سواء بالعمل لحسابهم الخاص، أم لدى شركات ومؤسسات في النطاق الأحمر، يعد في دائرة المخاطر؛ لأنه لا مكان آمنا في بلادهم، ولن تقبل بهم أي دولة أوروبية أو أميركية، أو ـ أحيانا ـ عربية لصعوبة الحصول على تأشيرات لهم، وتقديرا لهذا الظرف فإنني أتمنى أن يكون هناك قرار خاص في التعامل مع الطلبة السوريين، بفتح الباب لهم في التعليم المجاني في الجامعات والمدارس والمعاهد السعودية، وقرار آخر يستثني العمالة السورية من قرارات السعودة لمدة زمنية معينة، حتى تعود الحياة الآمنة والمستقرة للدولة الشقيقة سورية.

إن شعب سورية الغالي، وبلاد الشام جميعها، ربطتنا بهم علاقات تاريخية قبل الإسلام وبعده، وجمعنا معهم دين واحد بعد الرسالة المحمدية، وربطتنا بهم علاقات رحم ونسب وأخوة ومحبة، وعلاقات اقتصادية قديمة منذ رحلات الشتاء والصيف، وبصرف النظر عمن يحكم، وبأي أسلوب يحكم في سورية، إلا أن الشعب السوري الشقيق جدير بكل الدعم والمساندة، وجدير بأن يعيش حياة كريمة تضمن لأبنائه التعليم والعمل الشريف، فهل تجد رسالتي اليوم من يتبناها؟