تأخذ الوصمة الاجتماعية أشكالا عدة، ولا تخلو منها حياتنا الاجتماعية على مستوى الأفراد والجماعات، إذ يحدد المجتمع القواعد المنظمة للسلوك، وبالتالي يعد الخروج عنها انحرافا، ومنها أن يطلق على الفرد مسميات وألقاب بغيضة وغير مرغوبة تجلب له العار، وتثير حوله الإشاعات وكأنه حكم رسمي، وعلى نحو من التدني ينبذه ويحرمه حقه من تقبل المجتمع الكامل، فتلتصق به الوصمة نسبة لخاصية لديه سواء كانت جسمية أو نفسية أو اجتماعية، إضافة إلى أنه من الممكن أن يفسر سلوك الفرد بدوافع لا أخلاقية، فقد يقع في فعل لم يفعله بسبب كثرة الاتهامات التي تنسب إليه، وهذا يحتمل أن تتحول الشبهة إلى فعل حقيقي وهادم، مما يدفع بالفرد إلى أن يكون شخصا آخر غير مبال بسبب سوء تعامل مجتمعه، وبالتالي يتعامل مع الآخرين من خلالها.

هذه الأساليب وما يأتي على نحوها لا تعطي فرصة للفرد بأن يصبح أفضل، بل إنها تكرس دونيته واختلافه مع الآخرين، وقد تصنع منه شخصا متمردا لا يبالي بأي شيء طالما أن عيوبه تلاحقه، ويُعامل انطلاقا من هذا التصور الضيق، وبينما يشعر أن أفعاله الحسنة لا تختلف عن السيئة ولا تصنع له الفرق، وعلى وجه آخر قد تخلق فيه صفة النفاق، إذا كانت تصرفاته تنطلق من محاولة إرضاء الآخرين وكسب احترامهم، وليس من رغبات نفسه وقناعاته الحقيقية، وهو في هذه الحالة يُجبر على استخدام آليات محددة من أجل التكيف ومواجهة المشاكل، وهذا يحول أحيانا دون القدرة على تقويم السلوك وإعادة تكييف الفرد وتفاعله الإيجابي، ففي أسوأ الحالات يقوم الاتجاه العدائي من المجتمع على إثارة الحقد والعداوة، والتسبب في حدوث السلوك الأسوأ، الذي يشكل ظاهرة خطيرة على المستوى الفردي والاجتماعي.

أضف إلى أن هذه النمطية في التعامل تصنع في الفرد العادي سمة الازدواجية مع مجتمعه حتى لا تصيبه هذه اللعنة، ومن المؤسف أن نجد أنفسنا على اختلاف كبير عن المجتمعات الإنسانية التفاعلية، التي تعطي قيمة واحتراما للإنسان، وتستجدي الجانب الجيد فيه، مما يساعد على تحفيزه للتغير إلى الأفضل، وهذا من شأنه أن يحفظ للمجتمع قيمة التوازن والاستقرار.