لن أنكر الجهود العظيمة التي بذلت منذ تأسيس المملكة في مجال التعليم على مختلف المراحل، سواء في التعليم العام أو التعليم الجامعي، رغم اختلاف الظروف الاقتصادية التي أثرت على الإمكانات المالية المتاحة لتطوير التعليم في كل مرحلة من مراحل تطوير التعليم في المملكة، ورغم العقبات التي واجهها وزراء المعارف سابقاً، ووزراء التربية والتعليم لاحقاً (بعد تغيير المسمى)، وقد كانت عقبات عديدة، كان من أهمها عدم توافر الاعتمادات المالية لتطوير التعليم، التي أجزم بأنها السبب الرئيس في ظاهرة انحدار المستوى التعليمي العام، فمعاناة المدارس المؤجرة كان سببها عدم اعتماد الميزانيات اللازمة لإنشاء المدارس لفترة طويلة، وبعد هذه الفترة تم اعتماد ميزانية لبناء المدارس، ولم تعتمد ميزانية لشراء الأراضي التي تقام عليها المدارس، فتعطلت فرصة استخدام ميزانية المباني المرصودة مسبقاً، وتوقفت خطوات التطوير لبناء المدارس، وجمدت الأراضي سنوات طويلة، وحرم أصحاب الأراضي المخصصة للمدارس في المخططات من البناء أو التصرف ببيعها لمستثمرين في نفس التخصص التعليمي، ثم أعلن في السنوات الماضية عن ميزانية مخصصة لتطوير التعليم بما فيها شراء الأراضي وبناء المدارس بمبلغ 9 بلايين ريال، ثم وصلت إلى 11 بليون ريال، ولكنها للأسف كانت أرقاما معلنة عن مشاريع مبهمة غير مفصلة، أو موزعة حسب الاحتياج للتطوير، وغير مرتبطة بمدة زمنية للتنفيذ.

ومرت السنوات ولم نسمع أو نقرأ أي تقرير مفصل عن حجم وقيمة الإنجاز في التطوير من تلك الميزانية، ولم نر الأثر الإيجابي ومردوده على العملية التعليمية، وتطوير التعليم، وقد لاحظنا إنشاء بعض المدارس النموذجية في البناء، ولكن كما يقول المثل الشعبي: (من الخارج الله الله ومن الداخل يعلم الله).

ومع تقديري للتطوير العمراني، إلا أننا لا نريد تطويراً للحجر فقط، وإنما نبحث عن التطوير التعليمي بصفة عامة ابتداء من المناهج، والأستاذ، والوسائل التعليمية، والبناء المدرسي، وتحسين بيئة التعليم، وتطوير وسائل التعلم، ورفع مستوى الأستاذ العلمي، والتقني، وتحفيز وضع الأستاذ في اختصاصه عن طريق زيادة امتيازاته المالية والخدمية.

ورغم كل الإحباطات التي واجهت ومازالت تواجه المستثمرين السعوديين في التعليم العام، سواء كانت بيروقراطية في الإدارة، أو شروطا تعجيزية للحصول على التراخيص وتدخل غير مسبوق في اقتصاديات تشغيل المدارس الخاصة، من حيث التسعير أو التشغيل أو غيرهما، إلا أنهم مصممون على الاستمرار في رسالتهم الإنسانية لخدمة أبناء الوطن مهما واجهتهم معوقات وإحباطات.

وأعلم جيداً أن القائمين التنفيذيين على وزارة التربية والتعليم لن يقتنعوا بمشاكل ومعوقات التعليم الخاص، حتى يعيشوا الواقع الفعلي، ولن يعيشوه إلا إذا تمت إعارة بعضهم للعمل مسؤولين في المدارس الخاصة، ليتعرفوا على المعاناة الحقيقية. ولكنني اليوم أشعر بتفاؤل كبير، وبثقة أكبر بعد أن أعلن مؤخراً عن تخصيص80 بليون ريال لتطوير التعليم، وكان وراء هذا التخصيص المطالبة الملحة من وزير التربية والتعليم خالد الفيصل، حيث ألمس أن هناك خطوة جادة وحقيقية قادمة لتطوير التعليم لأسباب عديدة؛ أولها أن المنفذ لسياسة التطوير ومتابعة الاستفادة من هذه الثمانين بليون ريال هو الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم، صاحب الإنجازات السابقة في معالجة معوقات التنمية الصعبة، وهو رجل قوي صارم حازم عرف عنه أنه يحدد الأهداف ويضع لها نقطة بداية للانطلاق ونقطة نهاية للوصول إلى الهدف. وهذا ما لاحظناه في الميزانية المخصصة لتطوير التعليم، حيث وزعت الميزانية على مناحي التطوير المختلفة في التعليم وحددت مدة خمس سنوات لتحقيق هذه الخطة.

ومما يسهم في إنجاح هذه الخطة على أرض الواقع، تشكيل اللجنة الوزارية بعضوية بعض الوزراء المعنيين، ومن أهمهم: وزير المالية، وزير الوزارة التي لو تأخرت في الصرف، لتأخرت المشاريع. ورغم تفاؤلي لثقتي بالأمير خالد الفيصل، إلا أن هناك شريحة كبيرة من المنظرين غير متفائلة لأسبابها، وتعتقد أنها فرقعات إعلامية لتخفيض سخونة المعاناة، وعدم رضا المجتمع عن التعليم العام.

ويرى البعض أن عدم الشفافية في صرف الميزانية الأولى، يدفعهم إلى القلق على الثمانين بليون الجديدة، إلا أن تصريح وتوضيح سمو وزير التربية والتعليم الأخير، يؤكد مصداقية التوجه للتطوير، وأنا شخصياً أشعر بأن هناك تطويراً حقيقياً سيحدث قريباً، متمنياً ألا يقتصر هذا التطوير على المدن الكبيرة فقط. وآمل أن يبدأ من القرى والمدن الصغيرة أولاً. كما آمل أن يتم العمل سريعاً في وضع برنامج تطوير الخمسة والعشرين ألف أستاذ وأستاذة سعوديين داخل وخارج المملكة، شريطة أن يكون برنامج تعلم اللغة الإنجليزية للأساتذة هو البداية، ثم برنامج لتطوير أساليب وطرق التدريس لتخصصات محددة مثل: الرياضيات، والفيزياء والإحصاء، والعلوم، والحاسب الآلي، والكيمياء، والجبر، وغيرها من التخصصات العلمية.

وكم كنت أتمنى أن يكون هناك برنامج متخصص لأداء وتدريب المديرين ووكلاء المدارس، شريطة ألا يكون هذا البرنامج فقط لخمس سنوات، وإنما يكون برنامجا مستمرا.

إن فكرة تطوير الخدمة في المدارس، وعلى وجه الخصوص في مجال النظافة والصيانة والخدمات المساندة، قد تحتاج إلى إنشاء شركة متخصصة مساهمة بين وزارة التربية والتعليم والقطاع الخاص، تكون مسؤوليتها الخدمات المساندة للمدارس الحكومية، وقد يكون أيضاً في المجال نفسه، إنشاء شركة مشتركة للنقل المدرسي، مساهمة بين وزارة التربية وشركة النقل الجماعي صاحبة التجربة الرائدة، وتقسيم خدماتها للنقل الطلابي بنات وبنين، وفرع آخر لنقل المدرسات على مستوى المملكة.

من المؤكد أن مشروع تطوير المناهج لا يقصد به تغيير المبادئ والأسس الرئيسة، فالمواد الدينية واللغة العربية والتاريخ والجغرافيا لا مساس بها، فهي العمود الفقري للتعليم العام، وإنما تطوير المواد العلمية، وإدخال مواد فنية مهنية تسهم في رفع المستوى المعرفي للطالب والطالبة وهي متطلبات أساسية.

لقد تم تناول موضوع تطوير التعليم العام بإسهاب خلال الأسابيع الماضية، وإنما وددت أن أتناول هذا الموضوع، للتأكيد على أن المواطنين بكل فئاتهم يتطلعون إلى الاستخدام الأمثل وبكل شفافية لميزانية الثمانين بليون ريال التي خصصت لتطوير التعليم، متمنياً أن يُعلن سنوياً عن حجم الإنجاز وقيمة الإنفاق وأثره على الواقع. وكلي أمل أن يكون الإنجاز رداً حقيقياً على المشككين في تطوير التعليم العام.