الروح الشبابية للأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز وزير الحرس الوطني، تجعله يتماس بصورة عميقة مع الشباب، وأكثر استيعابا لفكرهم وهمومهم وقضاياهم، ما يجعله يستطيع أن يمثلهم في مؤسسات الدولة وأجهزتها، وإلى جانب مميزاته الشخصية التي تجعله رجل دولة مقتدرا يتمتع بكل خصال وصفات القيادي الناجح، وذلك ما يؤكده القريبون منه، فإني أجد فيما اطلعت عليه أخيرا حول لقائه بطلاب جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، فرصة للثناء على سموه وشخصيته القيادية التي تمنح أجيال الشباب مساحات واسعة من تبادل الفكر والرأي على النهج ذاته الذي اختطّته قيادتنا في الالتحام بمواطنيها.

لقاء الأمير متعب بالطلاب اتسم بفيوض من التواصل البسيط والتواضع الذي منحهم الرؤية في جوهر شخصيته، من خلال عدد من الأسئلة التي تم طرحها في عدد من القضايا العامة، وكان من أبرز تلك الموضوعات قيادة المرأة للسيارة حين سأله سائل منهم عن رأيه في ذلك، وكانت إجابته ذكية إلى الحد الذي يجعلها أكثر بساطة في استشفاف المغزى، فهو أجاب بقصة حدثت معه منذ 20 عاما خلال استضافته بأحد البرامج الإذاعية، وكان شريكه في الاستضافة وزير التربية والتعليم السابق الدكتور محمد الرشيد - رحمه الله -.

يقول سمو الأمير متعب: بدأ الرشيد بتأييد الموضوع وأورد المبررات، وكنت قبل أن يبدأ التسجيل أبديت تأييدي للموضوع، ولكن عند بداية التسجيل الرسمي وبعد أن أورد الرشيد رأيه وتأييده جاء دوري فعارضت الموضوع تماما، وعرضت التحفظات حول الموضوع، وهو ما أثار دهشة الرشيد والمذيع على السواء، وبعد انتهاء البرنامج طلب المذيع منه الموافقة على حذف السؤال نهائيا من البرنامج والاكتفاء ببقية الأسئلة الأخرى، نظرا للجدل الذي أثير بسببه، إلا أنه عارض لمدة يومين من باب المزاح ثم وافق على ما يقررانه.

وعقب سرد القصة طلب سموه من الطلاب استنباط موقفه حول قيادة المرأة للسيارة، وفي تقديري أن ملف القيادة شائك جدا، وينطوي على درجة عالية من التعقيد والتقعيد، ورغم أن المبررات التي سيقت لتفعيله تجري بمدادها الأنهار، إلا أنه لا يزال محلك سر رغم أن المرأة السعودية ظلت تعاني لسنوات طويلة بسبب ذلك، وأعتقد أن تجاهل تلك المعاناة وعدم معالجتها اجتماعيا بما يتوازن بين المنع والسماح، يؤزم القضية ويرفع "تيرمومتر" المعاناة عاما تلو الآخر، لأن الثابت لدينا من واقع النمو السكاني أو العملي أو المعرفي والعلمي أنها تتجه إلى القيادة، فلماذا لا نختصر الجدل والزمن ويتم النظر بصورة موضوعية في الأمر بحسمه قياسا على قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات"؟!

بصورة إجمالية، ذلك حق أصيل يتم تضخيم مثالبه بصورة غير واقعية تحتمل التوهم بأضرار مصطنعة، دون النظر في الأضرار القائمة التي تعاني منها المرأة بالفعل، وتجاهل الضرورات والمطلوبات الواقعية للقيادة بما يوفر أقصى مستويات الخصوصية، ولننظر إلى الموضوع من جوانبه الدينية والاجتماعية والاقتصادية، وقياسا على دراسات علمية واستحضار قواعد توفر أي رخص فإن الكفّة لا محالة ترجح العمل بهذا الحق ومنحه المرأة، ولكننا بحاجة إلى خطوة داعمة باتجاه التعاطي مع القضية كنظام ومنظومة تتطلب رؤية ورأيا علميا من جميع أوجهه، وإني على ثقة أن كل الطرق ستنتهي إلى تفعيل قيادة المرأة للسيارة، وتبقى فقط الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل بصورة عملية؛ لأن ما يحدث حتى الآن في سياق نظري يتضخم لصالح المرأة أكثر من الرأي الآخر، ولكنه كسراب ليس ماء، ولذلك فإننا وكما استنبطنا رأي سمو الأمير متعب من خلال قصته التي لا تحتمل لبسا أو خلطا ذهنيا في خلاصة رأيه، نسأل: من يستشف مطالبنا واحتياجاتنا في هذا الشأن؟!