يقول صديقي: إن قيادة السيارة في طرقات المملكة وشوارعها مسألة شاقة، وترتقي إلى درجة الوقوع في المهلكة، وإن سلوك السائقين في شوارعها وعبثهم في الطريق وكسرهم للأنظمة، إنما هو سلوك مماثل تماماً لسلوك الرجال السكارى المخمورين.

وقد لفتت نظري هذه الملاحظة التي أوردتها في مقالك السابق، حيث إن العاقل لا يمكن أن يخاطر ويسوق بهذه السرعة، كما لا يمكن أن يقبل من عاقل تجاوز الإشارة الضوئية، وعكس الطريق أو الانعطاف، من خلال قفز الرصيف أو التحول من أقصى يمين الشارع إلى أقصى اليسار، ويتم كل هذا الاختراق البيّن لأنظمة المرور المتفق عليها عالمياً دون خوف من المرور ودون حياء من الناس.

ثم يواصل صديقي حديثه:

على سيرة تشبيه فوضانا المرورية بأن السائقين يقودون عرباتهم، كما يفعل السكارى، فإنني لاحظت عندنا حالة غريبة ومعكوسة، لا تجد لها مثيلاً في شوارع المدن الخارجية التي تضبط النظام المروري وترعاه بدقه صارمة.

قلت له: خير إن شاء الله، ما هذه الحالة الغريبة والمعكوسة التي ننفرد بها؟

رد صديقي: عندما "يسكر" أحدهم هنا عند أصدقائه ثم يضطر....!

قاطعته مستنكراً: أنت تقول عندما يسكر أحدهم هنا، وتعلم أننا في بلد لا يسمح بالحانات والخمارات، بل يحرم دخول الخمور.. فكيف يحدث ذلك؟

صديقي: لم أقل إن أحدهم يشرب في البار أو الحانة، وإنما قصدت أن البعض وهم قلة هداهم الله يجتمعون في أحد البيوت أو الاستراحات، ويقررون الإقلاع خارج الروتين في محاولة لنسيان "الواقع"، وهكذا يسعى الواحد منهم للانبساط (بعرق) جبينه، فإذا "جن" الليل تسللوا واحداً إثر الآخر وركبوا سياراتهم عائدين إلى مهاجعهم.

لكن اللافت للنظر هنا هو أن هذا "المخمور" يسوق سياراته بانضباط لافت!

فهل تعلم لماذا ينضبط "المخمور حقا"، وهو يقود سيارته في الرياض أو جدة أو غيرها ويرعى نظام الطريق أفضل كثيراً من السائق "الصاحي" الذي لم تخالط رأسه نشوة الخمرة.

أنا: لماذا؟

صديقي: لأن "الخمر" محظور بيعه أو شراؤه أو تعاطيه أو صناعته في المملكة، ومن يخالف هذا النظام يقع ـ بلا شك ـ تحت طائلة العقاب الجنائي والعقاب الاجتماعي، حيث تطبق عليه العقوبة القانونية، كما أنه يستعاب اجتماعيا بفعل التحريم الديني مما يؤثر على وضعه ومكانته الاجتماعية في المحيط الأسري والوظيفي، وهذه المحاذير هي التي تجعل هذا المخمور يسوق بحذر بالغ تحت وطأة هذه المخاوف، مما يجعل قيادته للسيارة تتماهى مع الانضباط والالتزام بقوانين السير المرعية.

أنا: الحقيقة أن ملاحظتك ـ رغم غرابتها ـ جديرة بالاحترام، والصراحة أنني في ظل فوضى القيادة في شوارعنا، صرت أشكك في السائق المسالم الهادئ الذي يلتزم حارته ويسير بالسرعة المحددة، وأكاد أبصم بالعشرة على أنه "مهو بصاحي!"

صديقي: أما السكارى الذين يشيعون الفوضى وكسر النظام، وماهم بسكارى حقيقة فإنهم يتصرفون على نحو غير طبيعي، وغير عاقل لأن التفحيط في نظرهم مهارة، وقفز الأرصفة رجولة، وقطع الإشارة الضوئية شجاعة، ولأن هذا السلوك المجافي لقوانين المرور كله، إنما يتم لأن النظام لا هيبة له ولا عقوبة، واختراقه لا يجلب العيب أو العار لصاحبه كما يحدث لشارب الخمرة.

أنا: والله كلامك صحيح، والمحزن المضحك أن نشكك في سلوك المنضبط في شوارعنا، ونكاد نشتبه في أنه "غير طبيعي".

صديقي: الآية عندنا مقلوبة تماماً، وفي الدول الأخرى يعرف الناس، كل الناس، أن الذي يتجه بسيارته فجأة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، أو يقفز إلى الرصيف بمركبته، أو يتجاوز الإشارة الضوئية، هو ـ بلا شك ـ سائق مخمور، أو في حالة ليست طبيعية.

وبعكسهم نحن؛ فإن هذا هو السلوك الطبيعي والمعتاد في شوارعنا، وأي ملتزم بهدوء القيادة ومراعاة النظام، مشكوك في عقله! بل إن البعض يشير إليه بإصبع الاتهام، ولسان حاله يقول: "شف هذا. تراه متقهوي"!