النقد في الإدارة الحكومية عادة قديمة تعود عليها المنظرون وأصحاب المصالح في الإدارة الحكومية نتيجة لأخذ معلوماتهم من المعقبين - ورضوخ البعض لشروط وطلبات المعقبين لدفع أتاوات لتسهيل إنجاز بعض المعاملات - وفعلاً كانت قضية فساد استفحلت على جميع المستويات - ومعالجة هذه القضية أو معالجة جزء كبير منها كان بقرار القيادة السعودية بتطوير الإدارة الحكومية عن طريق خدمة الحكومة الإلكترونية، وهو مشروع من وجهة نظري كان من أهم المشاريع في تطوير الإدارة السعودية، وهو مشروع شكك في نجاحه أصحاب المصالح الخاصة وحاربه العديد من المسؤولين خوفاً من ذهاب السلطة والنفوذ من أيديهم، وكان البعض يعتقد أن هناك بعض الوزارات السيادية يصعب فيها تطوير نظام الحكومة الإلكترونية، إما لدواع أمنية أو سرية، أو خوفاً من الاختراقات غير المشروعة مثل وزارة الداخلية، والخارجية وبعض الأجهزة الأمنية الأخرى.

وبعد سنوات من الإعداد العظيم لهذا المشروع مدعوماً بالخبراء الفنيين بقيادات فنية وأكاديمية سعودية وبدعم مالي لهم ومتابعة صارمة من القيادات التنفيذية العليا، أصبح المشروع واقعاً عملياً وليس فرقعة إعلامية من تصريحات مسؤولين، وفعلاً هي حقيقة على أرض الواقع العملي وبشهادة من يتعامل مع هذه الخدمات الإلكترونية من مواطنين ومقيمين وبشهادة منظمات خليجية وعربية ودولية تؤكد أن الحكومة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية تقدمت دولاً عديدة في العالم وهي ليست مجاملة، فقد تعاملت شخصياً مع النظام الإلكتروني التابع لوزارة الداخلية وليس من خلال مدير مكتبي أو بقية الزملاء العاملين معي، وتعرفت على النظام وتأكد لي بأنه يستحق جائزة التميز.

لقد أثبتت وزارة الداخلية السعودية بأنها جديرة بالحصول على جائزة التميز للحكومة والخدمات الإلكترونية في مجال التميز لخدمات شبكات التواصل الاجتماعي والحكومة الذكية، وذلك ضمن جائزة الشرق الأوسط الـ(19) للتميز للحكومة والخدمات الإلكترونية التي منحها معهد الشرق الأوسط للتميز خلال مؤتمر الـ(20) للحكومة والخدمات الإلكترونية في دول مجلس التعاون الخليجي والذي أقيم في مركز دبي المالي العالمي. ويعود الفضل الأول في تطور الحكومة الإلكترونية لوزارة الداخلية السعودية لسمو الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية، صاحب الفكر الحضاري في تقديم الخدمات المتطورة. وللحقيقة إن هناك تحولاً حضارياً تمثل في الاستخدام الآلي والإلكتروني في تقديم الخدمات للمواطنين من منازلهم والمؤسسات والشركات من مكاتبهم.

لقد أصبحت خدمات تجديد الإقامات والرخص والاستقدام ونقل الكفالات وتأشيرات الخروج والعودة وخدمات حكومية عديدة كتجديد الجوازات والبطاقات الشخصية وغيرها، إلكترونية. أما بقية الوزارات وعلى رأسها وزارة الخارجية، فأصبح التعامل الإلكتروني إحدى خدماتها المتميزة. فخدمة تأشيرات الزيارة لرجال الأعمال أصبحت من أهم الخدمات التي سهلت لرجال الأعمال الأجانب فرصة زيارة المملكة. أما وزارة الحج فلها الريادة في الاستخدام الإلكتروني لتأشيرات العمرة بالتنسيق مع وزارة الداخلية. أما وزارة العمل وبصرف النظر عن رضا القطاع الخاص عنها، إلا أن من أهم ما يميز عملها التعاملات الإلكترونية في إنجاز معظم أعمال العمل والعمال، وهي خدمات مقدمة لأكثر شريحة تتعامل مع أي وزارة حكومية لأنها تهم المواطنين بجميع فئاتهم. ولن أغفل وزارة البلديات التي استطاعت أن تحول أصعب وزارة من حيث طبيعة عملها وحجم الفساد فيه إلى منظومة متميزة إلكترونية لن تقبل أي تداخل للفساد، وإن كان يعيب عليها التأخير أحياناً إلا أن حجم العمل والمعاملات أحيانا يؤثر على عمل الأنظمة الإلكترونية المعنية.

أما مجلس الشورى السعودي في دورته الجديدة فاستطاع أن يتقدم على المجالس النيابية والشورى في الشرق الأوسط من حيث تقنية المعلومات والاستخدام الإلكتروني، وأخيراً استطاع وزير العدل السعودي أن ينقل وزارته إلى مستوى متقدم جداً من الاستخدام الإلكتروني في المحاكم وكتابة العدل وإلغاء المواعيد مؤخراً.

وأخيراً لن نغفل عن الجهود العظيمة والجبارة التي بذلها الدكتور خالد العنقري في تحويل وزارة التعليم العالي وعلاقتها بحوالى 200 ألف طالب مبتعث إلى علاقة إلكترونية مباشرة تقدم جميع الخدمات والمعلومات بأسرع وقت ومن أي مكان في العالم ولم تعد هناك معاناة في المراجعة للوزارة ولن يقبل التخاطب مع الوزارة إلا إلكترونياً. أما في القطاع الخاص فمن حقنا أن نفخر بالبنوك السعودية وشركة الكهرباء والاتصالات ومصلحة المياه، ويأتي على رأس الشركات الحكومية التي في طريقها للتحول للقطاع الخاص الخطوط السعودية في قطاع الحجوزات وإصدار التذاكر والتعامل الإلكتروني المباشر لجميع الخدمات الجوية والشحن.

أما على مستوى الغرف السعودية فقد تطورت الغرف الرئيسية واقتدت بها الغرف الأخرى، إلا أنه من خلال تعاملي واطلاعي المستمر أشيد بالغرفة التجارية بجدة لدورها المتقدم جداً والريادي على المستوى العالمي بحق ودون انحياز، وإلى كل من ينتظر بانتقاده بعيداً عن الواقع أدعوه للتعامل الشخصي مع الخدمات الإلكترونية المقدمة من بعض الوزارات وعلى رأسها وزارة الداخلية. وكما تعودنا أن نطلب من المسؤولين قبول النقد، فدعونا نقدم الشكر لكل من يعمل على تطوير الإدارة في بلادنا.