أتساءل كلما دخلت أكاديمية الملك فهد بلندن: هل كان ـ رحمة الله عليه ـ يعلم بحجم النفع الذي سيجلبه إنشاء هذا الصرح العظيم، سواء كان نفعا شخصيا له بمعنى دعوات الرحمة والمثوبة التي يتذكره بها الآباء والأمهات من سعوديين وعرب ومسلمين بريطانيين، كلما أوصلوا أطفالهم للأكاديمية صباحا، أو بما ستضيفه للمملكة من تقدير كصرح علمي يجمع بين تدريس الدين واللغة العربية ويتبع المنهج البريطاني وشروطه؟.
تستطيع التعرف على موقع الأكاديمية في غرب لندن، بمجرد النظر إلى الأعلى؛ لأنك ستشاهد منارة المسجد الذي تحيطه مباني الأكاديمية وملاعبها، ويصلي فيه الطلاب والطالبات ـ يدرسون بشكل منفصل ـ وأساتذتهم ومديرهم الدكتور عثمان الزامل، صلاة الظهر كل يوم، كما أن هناك خطبة وصلاة جمعة يحضرها الجميع وتتوقف الدراسة لأجلها.
الدكتور عثمان الزامل وإدارته وأساتذته البريطانيون والعرب، يخوضون تجربة فريدة؛ لتحقيق الانسجام بين التقاليد السعودية، وبين ما تفرضه وزارة التعليم البريطاني، مما يجعلني أوقن أن ثمة حكمة بالغة تدار بها الأمور بين أروقة المدرسة، تدفعها إلى التميز والنجاح، وهذا ليس أمرا اعتياديا، إذا أخذنا في الحسبان أن البريطانيين حريصون دائما على كل شيء قد يمس الحريات أو جودة التعليم، ولعل توقف سيل الشكاوى والكتابات المضادة للأكاديمية في الإعلام البريطاني، بعد تولي الدكتور عثمان الزامل لزمام الأمور فيها، لهو دليل على هذه الحكمة.
في الحقيقة كمبتعثين، يشاركنا ويسمح لنا سعادة الدكتور عثمان الزامل بالاحتفال بالعيد واليوم الوطني داخلها في لفتة كريمة منه، مما يجعل من الأكاديمية أكثر من مدرسة.
"لين" ابنتي تدرس في الأكاديمية في الصف السابع، ويعجبني حقيقة عندما تعود إلى البيت كل يوم بقصة أو حدث داخل المدرسة، كأن تزورهم كاتبة بريطانية تخبرهم بتجربتها في الكتابة، أو يخبرهم مسلم بريطاني عن قصة دخوله الإسلام، أو المعارض التي تعدها الأكاديمية، وغالبا تحظى بزيارة ودعم سمو السفير الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز، الذي تظهر عنايته وجهوده لكل أولياء الأمور بها.
في الواقع، لا أنكر فضل معلمات ومدرسة "لين" في جدة، وعلى رأسهن مديرتها، هذا الفضل الذي لا يجعلني كأم أخشى من أن تنبهر "لين" بالحياة الغربية، أو تظن للحظة أن هناك ما هو أفضل من دينها أو أعظم من وطنها، وربما يوم الأحد الماضي كشف لي أن دورنا كآباء وأمهات هو مكمل للدور الأعظم الذي يقوم به المعلمون والمعلمات في المدارس كمدرسة لين بجدة وأكاديمية الملك فهد بلندن.
لأول مرة في الحقيقة آخذ أولادي إلى حديقة "الهايد بارك" في لندن يوم الأحد، وعن نفسي لن أكرر التجربة، ولا أوصي بذلك؛ لسبب أعتقد أنها مغامرة في وسط تقليد بريطاني يسمح بحرية الشتم والنقد غير المسؤول في هذه الحديقة كل أحد؛ لأنك لا تثق كليا بقدرتك على الرد، كما أن هز الثقة في الثوابت وجعل سيرته صلى الله عليه وسلم مجالا للسخرية والاستهزاء أمام سمع ونظر أطفالك غير جيد بالكلية، ثم الكثير من المتحدثين مجانين بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
بمجرد دخولنا، لا أعرف كيف جذب رجل يبشر بالنصرانية ويشتم في الإسلام "لين" لتستمع إليه، ثم ترد عليه بقسوة وصلت إلى الشتم ليسألها: من أنت؟ فترد: أنا فتاة مسلمة، لتعلو تصفيقات الحضور.
شاهدت ما تم تصويره من حوارها معه بعد أن عدت إلى البيت. من ناحية حزنت لأنها تعرضت لهذا الموقف، ومن ناحية أخرى شعرت بالفخر؛ بسبب كلمتها الأخيرة في بلد تموج بالديانات واللاديانة وتعتز بعلمانيتها.
"أنا مسلمة" جملة صغيرة، لكنها كافية جدا لتجعلنا فخورين بأكاديمية فهد في لندن، التي أبقت علاقة أطفالنا كمبتعثين وثيقة الصلة بدينهم، الذي تعلموه على أيدي معلميهم ومعلماتهم في بلادنا، وتتم رعايته في قلوبهم في أكاديمية الملك فهد بلندن، والمراكز التعليمية التي تدعمها وزارة التربية والتعليم في سائر المدن البريطانية، ويستفيد منها أبناء الطلاب المبتعثين.
تجربة الأكاديمية بأنشطتها وطريقة تعليمها وأنظمتها جديرة بالدراسة، فعلم المملكة الذي يرفرف عليها، والأخضر الذي يكسو صدور الصغار، وشعار المملكة القريب من القلب، يخبرك بسعوديتها، بينما أنشطتها وإدارتها توحي لك بشيء مهم، أنك من الممكن أن تتطور، وتستفيد من تجارب الآخرين، وتبقى ثابت الأصول.