مفاجآت مثيرة كشفها أحد استطلاعات الرأي في المملكة، حول مشاركة المرأة في التنمية الوطنية، حيث تضمنت نتائج هذا الاستطلاع: أن ما نسبته (54%) من إجمالي عينة مجتمع الدراسة تؤيد أن تتولى المرأة السعودية المناصب الوزارية وتعمل كوزيرة.
ورغم أن هذه النسبة تعد مؤشراً جيداً في تحسّن ثقة المجتمع في تولي المرأة مناصب قيادية، إلا أن نتائج الاستطلاع سالفة الذكر تضمنت أن ما نسبته (81%) من إجمالي العينة تؤيد عمل المرأة من منزلها، وهذا يعني انقسام المجتمع إلى النصف تقريباً تجاه عمل المرأة بشكل عام، وميل الغالبية إلى عدم خروج المرأة من بيتها، وبالتالي فإن النظرة السائدة إلى عمل المرأة هو للضرورة الاقتصادية وليس كحق من حقوق المرأة.
وتلك النظرة تنطبق أيضاً حول حق المرأة في تولي المناصب السياسية والاجتماعية، حيث يرى البعض أن المرأة لا يحق لها تولي القضاء والوزارات ومقام الإفتاء ولا حتى حق العضوية في مجلس الشورى وأمثال ذلك من المناصب الحساسة في الدولة.
ففي مجال "الولاية العامة للمرأة" يقول الفقهاء: "دلت السنة ومقاصد الشريعة والإجماع والواقع على أن المرأة لا تتولى منصب الإمارة ولا منصب القضاء؛ لعموم حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن فارساً ولّوا أمرهم امرأة قال: ( لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة )، فإن كلا من كلمة: (قوم)، وكلمة (امرأة) نكرة وقعت في سياق النفي فَتَعُم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معروف في الأصول" .
ويقولون أيضاً عن المرأة: "وذلك أن الشأن في النساء نقص عقولهن، وضعف فكرهن، وقوة عاطفتهن، فتطغى على تفكيرهن؛ ولأن الشأن في الإمارة أن يتفقد متوليها أحوال الرعية .. فيضطر إلى الأسفار في الولايات، والاختلاط بأفراد الأمة وجماعاتها... ونحو ذلك مما لا يتناسب مع أحوال المرأة".
وبناءً على ما سبق، فإن الذين يرفضون تولي المرأة للمناصب القيادية والوزارية يستندون في المنع والتحريم على الحديث النبوي القائل: "لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة"، وعدوا كلًّا من كلمتي: (قوم) و(امرأة) نكرة وقعت في سياق النفي، وعليه تمنع كل امرأة في أي عصر من العصور من أن تتولى أي شيء من الولايات العامة، مع أن صياغة الحديث هو الخبر لا الإنشاء، ومضمون الخبر هو قضية خارجية تتعلق بدنيا الناس، وعن زوال ملك فارس، وليس تشريعاً عاماً يحرّم تولي المرأة للمناصب القيادية في الدولة.
كما أن مسألة الإجماع على التحريم غير دقيقة، فالأجواء الثقافية والظروف البيئية التي كان يعيشها الفقهاء السابقون، تفرض عليهم نمطا معينا من التفكير تجعل مضامين الحديث النبوي الشريف منسجمة مع هذا التفكير والواقع الاجتماعي لذلك العصر، ولكن البعض يرى أن فهم الفقهاء للحديث أقرب إلى واقع التشريع من المتأخرين، وبالتالي نجد أن هناك جمودا فكريا لكثير من فقهاء اليوم بسبب اتباع وتقليد الأوائل، وذلك في ظل التغيرات الحديثة التي يعيشها المجتمع اليوم، فأصبح الفقهاء للأسف يعالجون مشكلات اليوم بأفكار الأمس والماضي، وفي الغالب يفشلون في معالجة مشاكل المجتمع المعاصرة، وبالتالي فإن الإجماع لا يكون حجة كما هو الثابت في علم الأصول.
وبغض النظر عن صحة الحديث من خلال قوة السند أو من خلال إسناده بروايات أخرى، فهناك معيار مهم يعتمد عليه علماء الحديث، وهو مقارنة متن الحديث بما جاء في القرآن، فإذا وافق ذلك كان الحديث صحيحاً ولا غبار عليه، والعكس صحيح، والحديث غير موثق بنص من القرآن، كما أن القرآن يقصّ علينا قصة "ملكة سبأ"، وهي امرأة فأثنى عليها ووصفها بالحنكة السياسية والتعامل العقلاني مع الأحداث، ومع ذلك فإن بعض رجال الدين يعتبر ذلك شبهة، ويقول عنها بأنها كانت امرأة تعيش في الضلال والكفر، وحاولت أن ترشي النبي سليمان عليه السلام.. فأين هي الحنكة والعقلانية؟ ومع إسلامها مع سليمان لم يعد لها ملك أو ولاية!
ولكن من يقرأ الآيات بتمعن يجد أن ملكة سبأ قد أفلحت في إخراج قومها من الظلم والانحراف إلى الهدى والإيمان، بعكس الرجال أمثال فرعون والنمرود وغيرهم، وأما بالنسبة للواقع الذي يستدل عليه الفقهاء في المنع والتحريم، فيبدو أنه الواقع التاريخي وليس الواقع الحاضر.
فواقع اليوم يقول إن المرأة قد أثبتت جدارتها في تولي المناصب المختلفة في الدول المتقدمة والمجتمعات المتمدنة، والشواهد على ذلك كثيرة، ولكن هناك من ينكر ذلك، ويقول بحجج واهية: "عجيب ممن ترك الكتاب والسنة وأصبح يستدلّ على صحة أقواله بأحوال الكفار قديما وحديثاً، ومتى كانت أفعال الكفار مصدراً للتشريع؟!
أما فيما يتعلق بطبيعة المرأة، فيقولون بأنها لا تصلح للولاية العامة وتولي المناصب القيادية بمقتضى الخلق والتكوين، فهي مطبوعة على غرائز تناسب المهمة التي خلقت لأجلها، وهي مهمة الأمومة، وحضانة النشء وتربيته، وهذه قد تجعلها ذات تأثر خاص بدواعي العاطفة، وبالتالي لا تصلح لتولي المناصب الحساسة، في حين أن هذه المناصب اليوم لا تعتمد على تدبير الفرد الواحد، بل على نظام مؤسسي يعتمد على أنظمة وقوانين مكتوبة وموارد بشرية، فحتى الجيش والشرطة والتي تعتمد على القوة البدنية، أصبحت هي الأخرى تعتمد على الذكاء والتخصص والمؤهل العلمي، وأصبحت تستوعب الرجال والنساء معاً.
ومما سبق، يتضح أن آراء الممانعين لتولي المرأة للمناصب القيادية، لا تعدو سوى إسقاطات فكرية تعتمد على آراء الفقهاء السابقين، وليست من القرآن والسنة كما يزعمون.. فمتى نرى المرأة "وزيرة"؟