تشير عدة دراسات متخصصة إلى أن المملكة تهدر ما يقرب من 40 مليار ريال سنوياً جراء عدم الاستفادة من ملايين الأطنان من النفايات التي تهدر دون تدوير، في الوقت الذي تتسابق فيه دول العالم على تدوير تلك النفايات، وتحقيق إيرادات مالية ضخمة للاقتصاد.

وعربياً تظهر دراسات اقتصادية صادرة عن جامعة الدول العربية، أن حجم خسائر الدول العربية الناجم عن تجاهلها إعادة تدوير المخلفات بنحو 5 مليارات دولار سنويا. إذ إن كمية المخلفات في الوطن العربي تبلغ نحو 89.6 مليون طن سنوياً، وتكفي لاستخراج نحو 14.3 مليون طن من الورق بقيمة 2 مليار و145 مليون دولار وإنتاج 1.8 مليون طن حديد خردة بقيمة 135 مليون دولار بالإضافة إلى حوالي 75 ألف طن بلاستيك قيمتها 1.4 مليار دولار. و202 مليون طن قماش بقيمة 110 ملايين دولار، وكذلك إنتاج كميات ضخمة من الأسمدة العضوية والمنتجات الأخرى بقيمة تتجاوز ملياراً و225 مليون دولار. في حين تنفق الدول العربية 1.7 مليار دولار أخرى لمقاومة الآثار البيولوجية والصحية والنفسية لتلك المخلفات.

تجارب محلية

وبعيداً عن معطيات نتائج تلك الدراسات والأبحاث العلمية، يمكن القول إن التجارب المحلية السعودية استطاعت أن تنقل مشروع تدوير "النفايات"، وبخاصة البلاستيكية منها، من خارطة أعباء الجهات المعنية المختصة، إلى عالم المشاريع الرابحة للشباب والشابات السعوديين، والذي يتقاطع بشكل رئيس مع الدعوات الجادة والمبادرات المدنية لتخفيض نسب البطالة بين أهم شرائح المجتمع المحلي.

وعي السعوديات

قبل عقدين من الزمان (20 عاما)، استقال أيمن فيصل جوهرجي من وظيفته الحكومية، التي كان يتمتع فيها بمواصفات مرموقة، وبدأ مرحلة جديدة في منظومة حياته المهنية، تتعلق بتدوير "النفايات"، ليصبح كما يصفه عدد من الشباب الذين التقتهم "الوطن" في برنامج إثراء المعرفة الذي رعته "أرامكو السعودية"، بأنه "عراب" مشاريع تدوير النفايات البلاستيكية وغيرها من النفايات الأخرى بين أوساطهم.

توجهات وطروحات الأسئلة كانت في غالبها موجهة من قبل الفتيات السعوديات، اللاتي صوب الكثير منهن حول كيفية البدء بمثل هذه المشاريع في حياتهن العملية، ومحاولة التملص أو طلاق البينونة الكبرى – على حد تعبيرهن- مع التزامات الوظيفة المقيدة صاحبة الدخل الشهري الثابث، ومحاولة الدخول إلى عالم "الأعمال الحرة".

أسئلة الفتيات دفعت جوهرجي إلى التأكيد في حديثه إلى "الوطن" أن السعوديات تفوقن على نظرائهن الرجال في مشاريع تدوير النفايات. وقال: "دربت نحو 300 شاب وفتاة، إلا أن الفتيات كن الأكثر التزاماً في إدارة مثل هذه المشاريع على الأرض لوعيهن الكامل في فهم عميق في إدارة تدوير النفايات".

ويستند جوهري صاحب SARPC على عدة تجارب واقعية استطاعت من خلالها شقائق الرجال فرض عضلاتهن بمدخول شهري يتجاوزعشرة آلاف ريال، كما حصل على ستينية استطاعت أن توفر لها مدخولا صافيا قرابة 6 آلاف ريال شهريا، بعد أن كانت تطلب مساعدة منه في التوظيف، حيث استفادت من دراسة الجدوى البسيطة التي أعدها الرجل ذاته، واستطاعت جلب نحو 300 كيلو جرام يومياً من "النفايات البلاستيكية".

غياب حجم المخاطرة

اللافت في مجال هذه المشروعات أنها لا تحتاج فعلياً إلى أي تصاريح عمل من الجهات المختصة، أو رخصة عمل أو حتى إيجار موقع، بمعنى أن القائمين على المشروع ينفون تماما وجود حجم مخاطرة مالية أو اقتصادية في المشروع، إذ التزم المبادرون في المشروع بشروط وتوصيات الخبراء.

فرأس مال المشروع يعتبر بحد ذاته قصة مختلفة ومغايرة من المهم التركيز عليها، فالأمر يحتاج إلى سيارة إضافة إلى تأشيرتين مع سائق يقود الشاحنة التي غالباً ما يكون أفضلها سيارة النقل المعروفة محليا بـ"الدينه"، التي لا تتجاوز حمولتها أربعة أطنان تقريبا.

في عالم الإنترنت هناك الكثير من دراسات الجدوى المبسطة والمفصلة في مشروع تدوير النفايات، ويصل بعضها إلى التفصيل الدقيق، ففي مصر يشير أحد خبراء البيئة حمدي معين في حديث خاص إلى "الوطن" أن مجال تدوير النفايات يعد من المشاريع الناجحة في طور الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد بسبب الأوضاع الحالية، ويقول: "يبلغ سعر طن البلاستيك الخام المستورد درجة أولى 8400 جنيه، في حين يباع الطن المعاد تصنيعه محليا بـ7000 جنيه، وهو يقترب منه في الجودة بنسبة 85%".

وأضاف أحد المواقع المتخصصة الإلكترونية في تسويق النفايات البلاستيكية أن الطريقة التي اعتمد عليها في تسويق إعادة التدوير المنتج محلياً في مصر تمت على طريقة إعطاء هدايا لأصحاب المصانع ليتأكدوا من جودة منتجه وقربها من المادة الخام المستوردة، وبعد ذلك يبدأ أصحاب المصانع في طلب منتجه.

طرد البطالة

في سياق النقطة السابقة تحديداً يعود جوهرجي للحديث ولكن بشكل انتقادي هذه المرة ويوجه الدفة صوب رؤساء الأموال السعوديين الذين لم يساهموا في مشروعات "تدوير النفايات" عبر دفع الشباب المحلي نحو هذه المسارات التي تعد "أرضية" مناسبة للتخلص من هاجس البطالة بين الشباب والشابات، وتقليل الاعتماد على معونات حافز.

عدد من الهيئات الأكاديمية المعروفة كجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وصندوق التنمية السعودي الصناعي اطلعا على تفاصيل المشروع بناء على التجارب التي خاضتها SARPC مع مشاريع الشباب، وتوصلا إلى غياب حجم المخاطرة في مثل هذه المشاريع، بل إن صندوق التنمية الصناعي طالب بإنشاء معهد متخصص يقوم بتدريب الشباب على مشروعات "تدوير النفايات"، حين يتقدم طالبو القروض في إنشاء مصانع تدوير النفايات.

تفاصيل دقيقة

بناء على دراسات الجدوى فإن الدخول في هذه المشاريع تتم عبر 3 مراحل، لا تتطلب المرحلة الأولى أي جهود كبيرة، في حين تتطلب المرحلتان الثانية والثالثة لموقع مساحته لا تتجاوز 300 متر مربع، وكهرباء من 100 إلى 200 أمبير للخامات المراد معالجتها بأجهزة المعالجة الحرارية والكيميائية.

فالمرحلة الأولى تكلفتها 150 ألف ريال من دون قيمة السيارة، وهي عبارة عن مرحلة تجميع وتكسير، فيما المرحلة الثانية تكلفتها 350 ألف ريال من دون قيمة السيارة، وهي عبارة عن مرحلة تجميع ومعالجة حرارية كيميائية.

أما المرحلة الثالثة فتبلغ تكلفتها 500 ألف ريال من دون قيمة السيارة، وهي عبارة عن تجميع ومعالجة حرارية وكيميائية وتجفيف حراري لسحب الرطوبة، إضافة إلى التحبيب.

وعند سؤال "الوطن" حول كيفية إعداد السيارات بالأجهزة المطلوبة، يؤكد جوهرجي أن جهته مستعدة لتجهيزها بأجهزة العمل، شريطة الرغبة الحقيقية في الدخول لهذا العالم والاستفادة من تجميع النفايات البلاستيكية وغير البلاستيكية، بل وشراء ما يتم تجميعه على الفور. ويراهن الرجل بقوله: "مناطق المملكة شاسعة بحكم مساحتها الإجمالية، لذا فتجميع النفايات يمكن أن يقضي على مفهوم البطالة لدينا في المملكة".